على مدى عدة سنوات خلت، وجدنا مواقع
إعلامية شامخة شريفة تتيح لنا مساحة لكشف المظلمات في بعض الجامعات، وأشرنا إلى
بعض مواطن الخلل في التعيينات والعطاءات والقبولات والعلاقات والمكافآت والعقوبات
واختيار الإدارات والترقيات...إلخ
وغامرنا بالكتابة رغم مخاطرها،
وقايضنا راحة البال الشخصية بالدفاع عن سمعة مؤسساتنا الأكاديمية، وتنقيتها مما
شابها وعرض لها وطرأ عليها من أكدار وأوشاب، وقاومنا تيارا من أصحاب المصالح الذين
يخلطون الطالح بالصالح، ويدّعون حرصهم على تلك المؤسسات، فيدْعون ــ مكرا ــ إلى
ستر العيوب، ويحرّضون ــ ظلما ــ على محاسبة دعاة تصويب المسار، ويتهمونهم
بالإساءة إلى سمعة المؤسسة، لتبقى الأمور على حالها، وليظلوا يتنعمون هم وأمثالهم
بكل ما لا يستحقون.
ولأن هذا الوطن لن ينعدم فيه
المسؤولون الأكفياء الشرفاء النبيهون، فقد التقط المسؤول القوي الأمين رسائل تكررت
وتتالت، ومظلمات تعددت وتوالت..... فكان القرار الجريء بالتغيير، ثم كان الانكشاف
الخطير لكثير من أوجه الفساد، التي لو استمرت كانت ستقود المؤسسة حتما نحو الخراب
التام والتدمير.
والتقط المظلومون أنفاسهم، وتجرأوا
بعد زوال سطوة الظلم على الكتابة، وتكشّف المزيد من حالات الظلم : إنهاء خدمات،
وإحالات على التقاعد، وحجب ترقيات، وتعيينات قائمة على تبادل المصالح والمنفعات،
وعقوبات قاسية قاهرة، واغتيال للشخصيات، والسطو على المكافآت....إلخ
وتولّت الإدارة الجديدة أمر هذه
المظلمات رغم كثرتها وعظمتها، وخصصت لها جزءا ثمينا من وقتها، وشكلت لجانا للنظر
فيها، وإعادة العدل العزيز لأصحابه، وإحياء الأمل في النفوس العطشى لبوارقه.
لكن فئة من سدنة العهد القديم حاولت
جاهدة مكابرة وقف الإصلاح، فقط لأن ذلك يكشف حجم الأخطاء والخطايا التي اُرتكبت
بمساهمتها، والمآسي التي حلّت بكثيرين على أيديها، وتحت سمعها وبصرها.
لكن هذه الإدارة الجديدة صمدت وتصدت،
وتسلحت بعزيمة لا تلين، وبإصرار مكين على قطع الشوط حتى نهايته، والمضيّ بالتطهير
حتى تحقيق غايته، ولقيتْ في سبيل ذلك عنتا عاتيا، ومكائد عديدة عظيمة.
لكنها مشحوذة الهمة ماضية نحو هدفها،
مدفوعة بإرث أخلاقي عتيد شريف، وسمعة نقية عطرة، شعارها : الضعيف عندي قوي حتى أخذ
الحق له، والقوي عندي ضعيف حتى أقتصّ منه.
هذا القصاص يجب أن يكون النهاية
العادلة العاجلة، فهذه الفئة التي وقعت صريعة الظلم، ودفعت أبهظ الأثمان، فقُطعت
أرزاقها، وخسرت وظائفها، ومُنعت من ترقياتها، وحُجبت عنها مكافآتها، وعُوقبت
بقسوة، واغتيلت شخصياتها، وشُوهت سمعاتها، وتردّت صحتها، وتهالكت أعصابها، وتعللت
نفسياتها....إلخ
نقول : هذه الفئة، من لها ؟ ومن يردّ
لها اعتبارها ؟ ومن يبلسم جراحها ؟ ومن يسترد لها حقوقها ؟ ومن يعيد إليها الأمل
بالأمن والعدل ؟؟؟!
هل يجوز أن يُكتفى بإعفاء من ظلموا من
مناصبهم ليتنعموا بما غنموا؟؟!
ليس هذا عدلا، وليس فيه شفاء لغليل.
العدل أن تُفترع مؤسسة خاصة للنظر في
المظلمات في جميع الجامعات، وإنصاف أصحابها، ثم الالتفات إلى الظّلَمَة لمحاسبتهم
جرّاء ما صنعت أياديهم، وليذوقوا قليلا من عَلّات الهمّ والغمّ، وليتجرّعوا مرارة
جناياتهم، لأننا لن نسمح لهم بأن يوصولونا إلى اليأس بالقول :
لقد طوّفتُ في الآفاق حتى رضيتُ من الغنمية بالإياب
لن تكون أبدا غنيمتنا بمجرد السلامة
المهينة، والعود الذليل، بل الغنيمة أن تعاد الحقوق كاملة إلى أصحابها، وأن يحاسَب
كل ظالم، وأن يعاد إلى مؤسساتنا مجدها وألقها وبهاؤها.