-لاح
على ملامح وجهها أطياف جباه عالية من قافلة كنعانية بكت سدّ مأرب، وحملها العزم
شمالاً لتملأ بلاد الشام زيتوناً وكروماً وقلاعاً وحصوناً وأسواراً ومجداً وسؤدداً
وحضارة ومهداً لرسالات سماوية توالت تترى، تصل أطهر البقاع وأقدسها بربّ السماء
الذي هو أعلم أين يضع رسالته.
-لاح
على ملامح وجهها سرّ صمود إبراهيم عليه السلام، وبسمة مطمئنة في ضرام نار الظلم
والظلام، وعزيمة الرحلة من أقاصي العراق إلى الشام ومصر، ثمّ رفع قواعد كعبة الله
ومسجده الحرام، وتهيئة بلاد العرب لأعظم الديانات وآخر الرسالات.
-لاح
على ملامح وجهها عَزمات الجبّارين، يواجهون العابرين الموعودين، بزعمهم، بأرض
فلسطين، فيردونهم على أعقابهم إلى تيههم الذي يستحقون، يجادلون موسى عليه السلام
في بقرة، أو يبحثون عن ديانة لهم في عِجل، ويتسربلون بالذلة والمسكنة أينما ثُقفوا
حُكماً عادلاً نافذاً عليهم إلى يوم الدين من الله أحكم الحاكمين.
-لاح
على ملامح وجهها عزّة بلقيس وحكمتها ودهاؤها، تُنقذ قومها من إفساد الملوك، وتحافظ
على أقاصي بلاد العرب آثاراً سامقة، وخطوطاً خالدة، وزراعة وتجارة، وقصوراً شاهقة.
-
لاح على ملامح وجهها عظمة الزبّاء تقيم حضارة تملأ الدنيا في تدمر درّة الصحراء،
وتجابه روما بكل جبروتها، وتكسر هيبة جيوشها. وعندما غلبوها بالحيلة والغدر، تجنبت
ذُلّ الأسر، وتجرّعت السمّ الزعاف، فماتت حرّة أبيّة على الأرض العربية.
-
لاح على ملامح وجهها بطولات ميشع وجيشه في ذيبان، يواجهون عابري النهر شرقاً،
فيردونهم على أعقابهم أذلاء صاغرين، ويحافظون على الوجه العربي المهاب في جبال
مؤاب، ويبقى المنسف أثراً شاهداً عابراً للعصور على النصر المؤزّر، وعُقبى عادلة
لغدرهم بعهودهم.
-
لاح على ملامح وجهها طُهر البتول، وعذابات المسيح عليه السلام، وأشجان درب الآلام،
وثمرة دعوات زكريا عليه السلام في المحراب: يحيى المعمدان يتدحرج رأسه الشريف على
جبل مكاور بأمر من قائد أرعن، توطئة لنزوة عابرة، وتلبية لرغبة راقصة فاجرة، في
حكاية أبدية فاجعة يرويها الجبل جيلاً بعد جيل، عن ظلمهم ومكائدهم وتحالفهم مع قوى
الشرّ ضدّ الأنبياء والأبرياء والمظلومين من بني البشر.
-
لاح على ملامح وجهها فتكات المسلمين في اليرموك وطبقة فحل وبقاع سوريا وفلسطين،
لتتوّج بتسليم مفاتيح القدس لسيدنا عمر، فتكون أغلى أمانة في أيدي خير أمة، بينما
هرقل يذرف دموعه السخينة في وداع سوريا وداعاً لا لقاء بعده.
-
لاح على ملامح وجهها تجليات التضحيات والبطولات في حطين وعين جالوت للحفاظ على
طُهر فلسطين، ومسرى ومعراج النبي العربي الأمين عليه الصلاة والسلام، ومساجد القدس
وكنائسها، وحرم الخليل، وآثار أقدام الأنبياء والصالحين، وتسابق الصناديد نحو
أرجوحة الابطال، والنغم الحزين في القسطل يردّد آلام الخذلان، وأبطال بوجوه سُمر
وكوفيات حمر يخوضون معارك غير متكافئة، لكنهم يصمدون حتى الرصاصة قبل الأخيرة التي
يستبقيها الواحد منهم للقرار الأخير المرّ، ومواكب المدافعين لا تنقطع عبر السنين،
وقوافل الشهداء والأسرى والجرحى، والإصرار منقطع النظير على الصمود حتى يحين اليوم
الموعود، ويتحقّق الوعد الإلهي بالتحرير.
-يا
بنت كنعان، يا حفيدة الخنساء، يا أخت دلال، يا صدح إبراهيم وبَوح فدوى طوقان، يا
شقيقة غسان؛
حقّاً،
لقد كنت نِداً نادراً للموت بعد أنْ كنت زهرة زاهية للحياة، وحتماً لن يطول
الانتظار قبل أنْ تعتلي الأصوات الصاخبة، وتلوّح قبضات السواعد الغاضبة التي تقتلع
جدران الخزان.