لم يعتد الأردنيون على أحكام قضائية
تفسخ قرارات حكومية وتعيد موظفين حكوميين إلى مواقعهم بعد إحالتهم على التقاعد أو
الاستغناء عن خدماتهم.
حدث ذلك فعلًا عندما صدر قرار يوم أول
من أمس ردت فيه المحكمة الإدارية قرار مجلس الوزراء بإنهاء خدمات رئيس مجلس مفوضي
الاتصالات والذي أقره مجلس الوزراء بتاريخ 12/11/2021، حيث كانت المحكمة الإدارية
قد نظرت في طعن قدمه رئيس مجلس المفوضين المُقال وقامت المحكمة على إثره بإلغاء
القرار وضمنت الحكومة الرسوم والأتعاب والمصاريف.
هذا القرار ليس الوحيد، بل هو الثالث
خلال أقل من شهر؛ حيث أبطلت المحكمة الإدارية قرارين صادرين عن وزير الصِّحة وآخر
عن وزير العدل، تضمنت نقل مساعد أمين عام وزارة الصِّحة ومدير الموارد البشرية لدى
وزارة العدل.
ولكن “ماذا يعني” إعادة موظف حكومي الى
موقعه بحكم قضائي من ناحية سياسية وقضائية.؟
جواب هذا السؤال يحمل شقين:
أولا٠ من ناحية سياسية؛ هذه القرارات
القضائية توضح أن قرارات الحكومة ليست مدروسة – لا قانونيًا ولا إداريًا- بل تفوح
منها رائحة تصفية للحسابات ورد فعل غير محسوب، ويبدو هدفها أيضاً إبعاد هؤلاء
الأشخاص إمّا لعدم انسجام معهم أو لعدم رضى عن أدائهم أو لمناكفات شخصية.
وهذا الشيء يؤشر بشكلٍ مباشر عن خلل في
القانونيين الذين يستعين بهم صاحب هذه القرارات في الرئاسة أو في الوزارة المعنية،
وأكبر دليل على ذلك أن كتاب إنهاء رئيس مجلس المفوضين للاتصالات ذكر سبب الإنهاء
وهو بلوغ سن 60 عاما، وبنفس الوقت تم تعيين شخص آخر يبلغ أيضا 60 عاما! ولو بقي
قرار الإنهاء بدون ذكر السبب ولم يُعين شخص آخر بنفس العمر لما تم فسخ قرار
الحكومة.
أمّا قضائياً؛ فيسجّل للقضاء وبالذات
المحكمة الإدارية هذه القرارات، حيث أثبتت قراراتها الأخيرة أن القضاء في الأردن
ما يزال وكما كان رمزًا للعدالة وإنصاف أي متظلِّم يثبت حقه في دعواه، كذلك أكدت
مبدأ فصل السلطات الذي نص عليه الدستور وطُبّق بشكل واضح من خلال هذه القرارات.
ومن خلال هذه الحالات نلاحظ أن السلطة القضائية
أرسلت رسالةً واضحة وصريحة للسلطة التنفيذية مفادها أن تدرس قراراتها، وأن تكون
كذلك مُدعّمه بنصوص قانونية تحميها من الفسخ أمام السلطة القضائية صاحبة القرار
الذي إن خرج منها أصبح واجب التنفيذ ومن لا ينفذه يكون تحت المساءلة القانونية.
المطلوب الآن من رئاسة الوزراء وكذلك
الوزارات- بعد هذه القرارات القضائية- أن تعيد تشكيل فريقها القانوني ومستشاريها
لكي لا تصدر قرارات بهذا الشكل، حيث يسهُل الطعن فيها وكسبها من أي محام حتى لو
كان مبتدئا، وأن نبتعد عن المزاجية والمناكفات في قراراتنا لأن ذلك يؤثر على صورة
الحكومة بشكل عام وصورة الوزراء بشكل خاص.
كذلك نشد على يد السلطة القضائية وندعم
مسارها الذي تحلا بشفافية القرار وإعادة الحق لكل ذي حق.
ولا نقول إلا كما قال جلالة الملك في
خطاب العرش أمام مجلس الأمة مخاطبا السلطات الثلاث: جميعكم اليوم مسؤولون وفي الغد
مساءلون.