بقلم ابراهيم
البدور
عندما أُنشئت الدولة الأردنية ووضع دستورها تم تحديد العمل
السياسي في سلطتين؛ تنفيذية ممثلة بالحكومة وتشريعية رقابية ممثلة بمجلسي النواب
والأعيان، وأُنيطت بهذه السلطات مهام ثابتة نصّت عليها مواد في الدستور وحكمتها
قوانين فَصَلت بشكل واضح بينها وبيّنت حدود التشاركية بحيث لا تتغول أي سلطة على
الأخرى وبنفس الوقت لا تتجاهل أيّ منها الأخرى.
بقيت هذه العلاقة ثابتة بالرغم من حدوث أزمات بين السطات
الدستورية السياسية وتغول بعضها على بعض وخاصةً بين الحكومة ومجلس النواب، حيث
يرضخ النواب في لحظات- تحت مطالب قواعدهم الخدمية- ويتغاضون عن محاسبة الوزراء
والحكومة على أخطاء وقرارات على أن تُحَقق تلك المطالب، ويصبح الوزير هو القوة
الأعلى بالرغم أن الدستور منح حق إقالة أي وزير أو حتى الحكومة بيد النواب.
أما مجلس الأعيان أو ما يُطلق عليه مجلس الملك فهو مجموعة من
أصحاب الخبرات (سياسية، اقتصادية، تربوية.. الخ) الذين يتم تكليفهم بإرادة ملكية
بحيث يكونون مرجعية لتجويد القوانين بحكم خبرتهم الطويلة كلٌ في تخصصه وحسب
القانون المطروح، وتكون علاقتهم في الحكومة بالعادة وديّة؛ حيث لا مطالب شعبية ولا
ضغوطات من الناخبين ولا واسطات.
لكن ما نشهده في هذه الأيام من توتر بين هذه السلطات – حكومة
وأعيانا ونوابا- هو شيء جديد، فلأول مرة نرى الأعيان يجتمعون في قاعة خارج القبة
والكل يقول إن الحكومة لا تتعاون معنا ولا حتى يرد الوزراء على اتصالاتنا، ويتم
تهميشنا بشكل كبير، وهذا لسان غالبية الأعيان.
ولأول مرة نسمع انتقادا مباشرا من رئيس مجلس الأعيان للحكومة
– حسب ما تسرب من الجلسة للإعلام- حيث قال «ما حدا عم يدافع ويخرج للناس، وكان «من
المفروض» أن توضح الحكومة للناس أسباب «إعلان النوايا» بين الأردن وإسرائيل لتبادل
المياه والكهرباء، وما هي مصلحة الأردن من وراء ذلك، وأن الأردن مضطر» هذا
الامتعاض من مجلس الأعيان صاحبه أيضًا هجوم من مجلس النواب؛ حيث لسان حالهم يقول
نفس كلام الأعيان، فالحكومة لا تدافع عن قراراتها ولا توضح سبب اتخاذها لهذه
القرارات وتلوذ بالصمت، وحتى أنهم لا يردون على اتصالاتهم ولا يستمعون لمطالبهم
الشعبية، حيث تجلى ذلك التوتر في جلسة النواب الرقابية عندما انسحب النواب من الجلسة
وما صاحب ذلك من هجوم لم نشاهده بهذه الحدة في السنة الماضية من عمر المجلس.
كل هذا الاحتقان يأتي في مرحلة سياسية انتقالية حساسة؛ حيث
تناقش لجان مجلس النواب تعديلات دستورية وقوانين إصلاح سياسي (انتخاب وأحزاب)
مقدمة من الحكومة بالرغم من أن لجنة ملكية هي من قامت بعملها، ولكن دستوريا
المسؤول عن الدفاع عنها أمام النواب وتحت القبة هي الحكومة.
وهذه التعديلات والقوانين سيتم التصويت عليها من قِبَل مجلس
النواب وبعضها يحتاج إلى موافقة ثلثي أعضاء المجلس لإقرارها، لذلك فإن وجود هذا
الاحتقان ليس لمصلحة هذه القوانين، حيث من الممكن أن تحدث تصفية حسابات من النواب
ضد الحكومة على حساب القوانين.
المطلوب الآن من الجميع- حكومة وأعيانا ونوابا- أن يضعوا
مصلحة الدولة العليا صوب أعينهم وأن يتكاتفوا ويساعدوا جلالة الملك في توجهاته
ويكونوا عوناً له.
ومطلوب من الحكومة بشكل خاص أن تغير من نهجها في التعامل مع
الأعيان والنواب بحيث تقدم خطابا إعلاميا وشرحا عن أي قرار تأخذه وتوضح للرأي
العام ومجلسي الأعيان والنواب مبررات ما تقوم به، وألا تلتزم الصمت لأن الصمت باب
من أبواب الإشاعة وفقدان الثقة.
وأما مجلسا الأعيان والنواب فمطلوب منهما التعاون مع الحكومة
للخروج من هذه الأزمات المتلاحقة وذلك بتقديم المشورة والنصح وتفعيل الدور الرقابي.