بمناسبة إطلاق حملة نبذ الواسطة
والمحسوبية، هذه حكاية : مَن رآها من عالم كليلة ودمنة فله ذلك، وليأخذ منها العظة
والعبرة، ومن لم يصدق وقوعها حتى في الأدب الرمزي، فليتحمل الصدمة إذا زودناه
بالإدلة والوثائق .
نصف دونم من الأرض ضمن تنظيم زراعي،
يقع على شارع رئيسي عابر للمحافظات، اشتراه أحد الحُذّاق، ثم اشترى فضلة أمامه
مرصودة لتوسعة الشارع عند الحاجة، وتمّ له ذلك بسعر زهيد لأن أملاك الدولة دمها
مهدور، وخاطرها مكسور.
حصل على رخصة إنشائية مقترحة، وبناء
على ذلك زودته شركة الكهرباء بتيار كهربائي مفتوح وعداد مؤقت.
باشر البناء، وتفتقت عنده كل الحيل
لمخالفة كل قانون أو نظام أو تعليمات للتنظيم :
ــ أتلف الحواجز الحديدية التي تضعها
وزارة الأشغال للحماية على جوانب الطرق، ولاكتها الجرافات.
ــ أعطب خط المياه الرئيسي، وطمرته
الآليات في العالم السفلي، وانشغلت سلطة المياه بنقل الخط إلى مكان بديل، وتكاليف
جديدة.
ــ اعتدى على الشارع الرئيسي، فبنى
سور المنزل في حرم الشارع، وأضاف رصيفا، وزرع أشجارا، فتسبب امتلاكه لفضلة الشارع،
واعتداءاته المستجدة في تحويل سعة نصف الشارع المقابل لمنزله من عشرين مترا إلى
أقل من عشرة أمتار، وقضى على فرصة توسعة الشارع رغم الحاجة الماسة، ورغم وجود مئات
الفضلات المرصودة لذلك والممتدة على طول الشارع، التي لم يعد لها جدوى لضياع فرصة
التوسعة .
ــ قطع شارعا تنظيميا يخدم المجاورين،
وأضافه مع فضلة محاذية له إلى ساحة بيته، وحوّله إلى ساحات للنزهة، وجلسات
للاستقبال والترويح، وابتدع فيه كهوفا تجميلية جعل فيها أضرحة ومقامات وهمية،
ونوافير ترفيهية، وجنائن معلقة .
ــ حفر في أعماق الأرض لاستغلال كل
المتاح من المساحة في بناء تسويات تحت أرضية، وعلّق أراضي المجاورين والشارع
التنظيمي الذي يخدمهم عاليا بين الأرض والفضاء لتنعم تسوياته بالإضاءة والتهوية
الكافية .
ــ بدأ يتسلق إلى الأعلى في البناء،
ويتوسع في البرندات والتراسات وأبراج المراقبة التي تكشف حرمات جيرانه، متجاوزا
أضعاف نسبة البناء الطابقية، وبشكل لا يجعل لأي قانون تنظيمي أية قيمة .
ــ اعتدى على التهويات والارتدادات
بينه وبين المجاورين، فبنى على حد أرضه تماما، وتفنن في فتح النوافذ والبرندات
المخالفة لكل أحكام التنظيم، والعرف والخلق وحسن الجوار.
ــ ركّب الكاميرات الموجهة على جميع
الجهات، وبخاصة إلى أراضي مجاوريه، فانتهك خصوصياتهم ومنعهم من حرية الحركة في
أملاكهم، وسجنهم ضمن جدران منازلهم.
ــ ركّب عشرات الكشافات واللمبات
الكهربائية المستجرّة من التيار الرئيسي مباشرة، والمخصصة للاستعراض والعرط ولزوم
شيخة هذا الزمان من دفعة"أول إعدادي راسب" .
ــ كثُرت ولائمه وحفلاته، وضجّ المكان
بالأغاني الهابطة، وازدحم الشارع بسيارات أصحاب اللغاليغ، فأثمر له ذلك عن اقتطاع
غرامات تنظيمية تُقدر بأكثر من مئة ألف دينار، فقد تطوع لخدمته
موظف"محترم!!" قام باحتساب المخالفات وفق نظام 2016، بينما تمّ البناء
على عدة سنوات كلها بعد عام 2017، الذي غُلّظت فيه الغرامات على المخالفات، ورُفعت
أضعافا، ظنّاً أن القانون العادل الحازم سيجد الموظفين المؤتمنين عليه، الحريصين
على تطبيقه، فخسرت خزينة الدولة هذا المبلغ من معتد واحد، وعلى هذه الحالة قِس
وتحسّر على أموال للدولة تُنهب لمن لا يستحق وتُهدر.
ــ على مدى كل هذه السنوات، كان
المتضررون يراجعون، ويلوذون بالقانون، والجهات المعنية تنهال بتشكيل اللجان، وكلما
جاءت لجنة مسحت أختها، والتقارير تغدو وتروح، والأقلام تجف، والصحف تُرفع، والواقع
على حاله!!!!
وأخيرا، قرر هذا الفهلوي إخراس
الألسنة التي تشير إلى الخلل، وتطالب بالحق، فاستعان بقولة العرب : ( رمتني بدائها
وانسلت )، فبدأ يقدم الشكاوى الكاذبة الكيدية، وزبائنه من رخاص المعازيم كُثر
جاهزون لتقديم الشهادة، وتحويل الحق إلى باطل، وتصوير الذئب الظالم بهيئة الحمل
الوديع المسالم، فينشغل المظلومون بالدفاع عن أنفسهم، ولا يجدون وقتا لازما أو
جهدا كافيا لفضح الفساد، فتبشم الثعالب في غياب النواطير، ويتوارى الحق، ويخيّم
الباطل على المشهد، وتعجز الطاهرة "كرمة العلي" عن تغطية"أحمد حسن
الزعبي"، وتخمد دالية"يوسف غيشان" فلا تقوى على التلولح، ولا يتبقى
أمامنا إلا أن نزرع " بيتنجان " ولا نقلعه، لأن سعره الفلكي جعله ملك
الموائد ومسك الأسواق!!!!