قرأت للكثير من الصحفيين والاعلاميين عبر السنوات التي تلت تخرجي من الجامعة وخلالها كطالب في الهندسة الميكانيكية، وخلال خدمتي في القوات المسلحة وما تلاها، كنت على إطلاع بما ينتجه الكثيرون من الصحفيين الكتاب، والإعلاميين الكبار، وأعجبت بهذه المهنة التي رأيت فيها شرفًا لا يعادله إلا شرف الشهادة، فبالقلم تستطيع ان تنفث كل ما لديك، وتملك الإرتقاء في عوالم النهوض والمجد، وبالقلم تستطيع ان تقدم رؤاك وما تحلم به بالكلمة والصورة التي تقترب أن تكون قصيدة وخاطرة.
وجدت أن هناك أساليب تستهويني وأعيد قراءتها وكيف يمكن للذين يملكون زمام الحرف، وأيضًا كانت لدي فرصة متأخرة لتقديم برامج ذات مضامين مختلفة، فهناك ما يمكن العمل عليه، دون أن يكون تزلفًا أو إستقواءً بأحد، أو حتى لأجل المال والجاه، هي فقط ما يمكن ان يقع في باب المنظومة القيمية التي امنت بها في التقرب من هذا القطاع الذي كان دائما يستهويني وأكون قويًا فيه.
كنت أزور "الرأي" و"الدستور" في بواكير شبابي، والتقي الأصدقاء الذين وجدت فيهم طريقًا إلى العمل الإعلامي المتواضع، فلم أطرح نفسي ككاتب مع أني أكتب في إحدى أهم الصحف الأردنية وهي الدستور، التي وجدت فيها موسوعة معرفية وثقافيه، وحتى في المواقع التي برزت كأهم المواقع الإخبارية في الوطن العربي كعمون والتي قدمتني ككاتب أيضًا، ونعمت في إستضافة برقي الخلق النبيل التي كانت عليه ان اكون مقدما لبرامج تلفزيونية في قناة "الحقيقة الدولية".
دائما.. كنت أواجه ذات السؤال، كيف يكون لك كل هذا في وسائل إعلامية رزينة وأنت لست صحفيًا ولم تحصل على ما يؤهلك لممارسة المهنة، وكيف للمهندس والطبيب والمحامي وغيرهم ان يكونوا كتابًا وإعلاميين دون أن يحصلوا على عضوية النقابة، وهل الكتابة مهنة تتطلب شهادة وعضوية نقابة، لقد وجد الكثيرون من الفنانين أنفسهم في الأوساط الفنية والثقافية دون ان يكونوا قد تعلموا هذه المهنة في مدرسة او جامعة، وحتى أن هناك من تخرجوا من كليات الصحافة والإعلام لم يعملوا في هذا المجال لعدم توفر "الكاريزما" الخاصة في الإعلام.
إن العمل الإعلامي يتطلب حضورًا ثقافيًا في المحتوى المقدم، وهذا ينطبق على الشكل المكتوب والمقروء، والصحافة كمهنة يجب أن تُعامل ككل المهن في كونها ليست إعلامًا، فالإعلام كالشعر والكتابة ليست حكرًا على مهنة بعينها والذين يأتون من مهن اخرى إلى الإعلام يبدعون في كون حضورهم كان تلبية لمواهبهم.
مهندسون ومحامون وأطباء وصيادلة وغيرهم نجحوا في الإعلام بما أستطاعوا إليه سبيلا، وعلى الصحفيين أن يفهموا أن الإعلام ليس ساحة خلفية لمهنة الصحافة، وأن هناك الكثيرين حول العالم من استطاعوا أن يرتقوا بالعمل الإعلامي كموهبة وهواية في البداية، ثم احترفوا العمل الإعلامي فيما بعد.
مؤخرًا.. قرأت مقالًا لصحفي لامع، يتحدث فيه عن تجربته الذاتية عبر سنوات من العمل الصحفي والإعلامي، ووجدت إنه يحاول أن يؤرخ لحقبة من العمل الذي أختطه خلال الفترة السابقة، وأنه يعتبر كل ما هو غير صحفي يتخندق في المكان المقابل أي أن هناك الصحفيون والآخرون!، وربما فاتته أن الصحفيين هم الأكثر إستحواذًا على المناصب، وهم الأكثر قدرة على إرضاء المسؤول بحكم مهنتهم، وان الحكومات التكنوقراط وهي الاكثر على العمل المهني، هي التي تخلوا من صحفيين بعدد مبالغ فيه.
ولأعد إلى ما يمكن ان يكون ردًا على الذين يرون في أنفسهم هم الأولى في تركة العمل الصحفي، دون أن يأبهوا إلى أن المحتوى الإعلامي ربما يفوق بكثير الحالة الشكلية للإعلامي ونوع الأسئلة وطبيعة الضيوف، وهذا ينطبق على العمل التلفزيوني، في حين يكون التحرير في الصحف والمواقع الإلكترونية أقرب للمحتوى الصحفي.