بقلم: يوسف غيشان
قصة مترجمة للروائي الإيطالي
إيتالوكالفينو تقول بما معناه، أنه كانت هناك بلاد كل من فيها اللصوص. وتحت جنح
الليل، كان كل ساكن من سكانها يخرج وقد تسلح بعتلة، وتزود بمصباح، يقتحم دار جار
له. ولدى عودته عند الفجر، يكون مثقلاً بالغنيمة، كان يجد داره قد تعرضت للاقتحام
كذلك.
وهكذا عاش الجميع في تآلف، ولم ينحصر
المال بأحد، فكل منهم يسطو على الآخر، وذلك يسطو على من يليه، وهكذا دواليك. وفي
هذه البلاد كان العمل مرادفاً للغش، سواء أكنت تبيع أم تشتري. كانت الحكومة منظمة
إجرامية شكلت للسرقة من الناس، بينما يمضون كل وقتهم في خداع الحكومة. وعلى هذا
النحو واصلت الحياة مسيراتها التي لا يعوقها عائق، لم يكن السكان أغنياء، ولا
فقراء.
وذات يوم ظهر رجل شريف. وتحت جنح
الليل، وبدلاً من الخروج بكيسه ومصباحه للسرقة، مكث في الدار، وعكف على التدخين
وقراءة الروايات. وعندما أقبل اللصوص، شاهدوا الضوء في داره، وهكذا انصرفوا
مبتعدين. لم تدم هذه الحال طويلاً، فقد قيل للرجل الشريف إنه أمر لا بأس به بالمرة
إن يحيا حياة الدعة، لكنه لا حق له في حرمان الآخرين من العمل، وذلك أنه في كل
ليلة يمكثها في بيته تحرم عائلة من قوتها.
لم يستطع الرجل الشريف الدفاع عن نفسه،
فشرع بدوره في قضاء الليل خارج داره حتى الفجر، ولكنه لم يستطع إجبار نفسه على
السرقة، فهو رجل شريف، ولا مناص له من أن يبقي كذلك.
وفي غضون أقل من أسبوع، وجد الرجل
الشريف نفسه بلا نقود ولا غذاء في داره التي تم تجريدها من كل شيء ولكن اللوم وقع
عليه وحده، فقد كانت المشكلة تكمن في أنه رجل شريف، الأمر الذي قلب النظام بأسره
رأساً على عقب، لقد ترك نفسه يتعرض للسطو دون أن يسطو بالمقابل على أحد. وسرعان ما
وجد من لم تتعرض دورهم للسطو من الرجل الشريف أنهم أغنى من الآخرين، وبالتالي لم
يعودوا يرغبون في السرقة بعد الآن، بينما أولئك الذين أقبلوا للسطو على دار الرجل
الشريف عادوا بوفاض خال، وبالتالي غدوا فقراء.
الآن أدرك الأثرياء أنهم إذا أمضوا
لياليهم يمارسون الغنى فقط فإنهم سرعان ما سيصبحون فقراء، وحدثوا أنفسهم
قائلين.»لم لا ندفع أجراً لبعض الفقراء مقابل أن يسرقوا لحسابنا؟
أبرمت العقود، وتم الاتفاق على الأجور
والنسب المئوية. ولكن النتيجة النهائية كانت أن الأثرياء أصبحوا أكثر ثراء،
والفقراء غدوا أشد فقراً.
لمن قد بهمه الأمر: فقد مات الرجل
الشريف جوعا.
عن الدستور