بقلم: د. هايل ودعان الدعجة
من يقرأ تاريخ الاردن ، لا يملك الا ان يقف انبهارا واعجابا وهو يقلب صفحاته التي تروي حكاية وطن قارع الصعاب والخطوب التي استهدفت وجوده وهويته على وقع التحديات والحروب ( معركة الكرامة تحديدا) والمؤامرات المحلية والعربية ، التي كشفت حجم خيانة البعض وعمالته ، التي جرى توظيفها كمعاول هدم لاضعاف الجبهة الاردنية وتهيئتها لتنفيذ اجندات ومؤامرات عربية على الارض الاردنية ، تم افشالها والتصدي لها بعزيمة الاردنيين ، الذين قدموا اروع صور البطولة والتضحية والفداء دفاعا عن وطنهم . فاذا بنا امام قصة وطن خلق من رحم التحديات حتى غدا انموذجا في مقارعة الصعوب والاخطار ، ليفرض نفسه رقما صعبا في المنطقة ضمن نهج اختطه لنفسه ، جاعلا من الاستثمار بالانسان الاردني تعليميا ( وعسكريا ) اهم ادواته واسلحته التي شق بهما طريقه ، لتأكيد حضوره العربي والاقليمي بالصورة التي ظهر به وميزته عن غيره من شعوب ودول المنطقة ، عندما اتقن التسلح بلغة العصر وادواته في المجالات التعليمية والصحية والاقتصادية والسياسية والادارية والعسكرية والامنية وغيرها، التي جسدت مجتمعة الهوية والخصوصية الاردنية ، مضاف لها مزايا اجتماعية تمثلت في مكوناته المجتمعية وفي مقدمة ذلك المكون العشائري الملتصق بمنظومة قيمية واخلاقية وسمت شخصية المواطن الاردني بالكثير من الخصال والصفات الطيبة والحميدة التي ميزته ، وباتت من ابرز معالم هويته التي عرف بها .
لتشكل في مجملها الارضية او البنية التحتية التي قام عليها الاردن الدولة والتاريخ والانجاز والامان والاستقرار ، والخصوصية ، والتي غلفت مئويته الاولى ومثلت عنوانها الابرز .. الا انه ومع دخول المئوية الثانية ، بدأنا نلمس ما يمكن اعتباره بمثابة الانقلاب على هذه الايجابيات التي وسمت المئوية الاولى على شكل تخلي تدريجي عنها ، بشكل قاد الى تراجع ظاهر بصورة الانجازات التي تحققت في قطاعات التعليم والصحة والاقتصاد والادارة وغيرها ، متبوعا بالمساس بهوية الدولة وثوابتها ومنظومتها القيمية والاخلاقية ، الامر الذي امكن ملاحظته من خلال اسناد مواقع المسؤولية الى غير اهلها والاعتماد على شخصيات وتيارات تحمل افكارا غريبة ودخيلة على منظومتنا الوطنية الشاملة ، لترسم لنا طريق المستقبل على طريقتها ، وتنعطف بمسيرتنا نحو منحدرات خطرة ، بدت معالمها السلبية تتضح على شكل ردود شعبية غاضبة تعكس حالة من عدم الرضا عن هذا الانحراف عن المسار الوطني الذي اختطه الاباء والاجداد ، وبما يشبه الانقلاب على النجاحات والانجازات التي تحققت ، ليأتي من يتطوع بنسف كل هذه الايجابيات من اصحاب هذا الفكر الدخيل .. ونحن نتساءل .. لمصلحة من ركوب مثل هذه الموجة التي تستهدف ثوابت الدولة وهويتها وخصوصيتها ، التي يعول عليها في ضبط الامور ووضعها في اطار المصلحة الوطنية باحتوائها وامتصاصها اي مخاطر او تهديدات او تحديات ، وجعلها تسير في مسار الصالح العام ، بحيث لا تسمح للخروج على الثوابت والمصالح الوطنية . مما يفسر حالة الامن والامان التي ينعم بها بلدنا .
وما الذي يدفع بالاردن الى التخلي عن مصادر قوته المجتمعية ويعمل على تفكيكها ، ويتبنى سياسة اقرب ما تكون من المجاكرة والمعاندة وهو يراهن على عناصر بلا تاريخ وبلا انجاز وباجندات دخيلة وتحوم حول بعضها شبهات فساد ليتاجر بها ويزج بها الى الصفوف الاولى على حساب اناس ثقات يحبون بلدهم ومشهود بوطنيتهم واخلاصهم وولائهم وانتمائهم . وما الذي يدفع بدولة امنة مستقرة يغبطها العالم على تماسك جبهتها الداخلية بفعل متانة الروابط والعلاقات الاجتماعية بين مواطنيها وقوة مكوناتها المجتمعية حتى غدت نموذجا يحتذى في القوة والمنعة الداخلية ، لترفس هذه النعمة عبر تبني اجندات وسياسات باتت موضع شك وتساءل في ظل الاثمان والكلف الباهظة المترتبة على تبنيها ، والتي بدت معالمها تتضح على شكل تخبط في تشكيل الحكومات وتعديلها ، وضعف في تركيبة المجالس النيابية وتراجع في التعليم والصحة والادارة وتفاقم في نسب البطالة والفقر والعجز والمديونية وتردي الاوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية والمعيشية ، وتغول الواسطة والمحسوبية والشللية والفساد الذي اخذ يضرب في الكثير من مفاصل الدولة وغيرها من السلبيات والتحديات التي تواجه بلدنا .
فلمصلحة من كل هذا التراجع والتخبط في المشهد الوطني ، والذي لم يعد خافيا على احد ؟.
فلنتق الله بالوطن ، ولنتمسك باردنية الاردن وهويته وخصوصيته وثوابته ولنحافظ عليها .