بقلم: د. حفظي اشتية
عنوان المقالة اسم لفيلم عربي قديم رصين يكشف أشكال الفساد والجمود والترهل الإداري التي تضيّع الحقوق وتقتل الأرواح. والحالة التي تعرضها هذه المقالة شبيهة بهذا وشيء من أشكاله.
الأستاذ الجامعي يريد حلا :
لا يمر يوم إلا ونسمع عن مظلمات وقضايا في التعيينات أو الترقيات أو العقوبات أو توزيع المناصب والتنفيعات......إلخ وعدد غير قليل من الأساتذة الجامعيين دفعهم ما عانوه من ظلم وعدم إنصاف داخل جامعاتهم إلى البحث عن حقوقهم خارجها، فمالوا عن القصد، وتشتت منهم الجهد، وغاب الشعور بالأمن، وضاعت أوقاتهم وهم يطرقون الأبواب في مجلس الأعيان أو النواب أو الوزارات أو الهيئات أو المحاكم.....إلخ
وقلما وصل أحدهم إلى بعض حقه إلا بشق الأنفس وباهظ الثمن، وبعد أن يكون قد زهد فيه ولم يعد يعنيه، فقد تدهورت صحته واعتلت نفسيته واختلت حياته الاجتماعية.
كلما جاء وزير جديد نعقد آمالا ثم تتبدد قبل أن يغادر، ويقبل آخر فنجدد الأمل لكن قلوبنا تصيح بنا : أما آن لكم أن تتوبوا وتيأسوا فترتاحوا وتريحونا؟!
والمؤلم في الأمر أن هذه الحال طارئة علينا، فقد كنا نفاخر بجامعاتنا الدنيا، وكان الأستاذ الجامعي صفوة المجتمع، وكانت الإدارات الجامعية مجمع الحكمة والرشد والخلق، فما الذي يمنع وقف انحدارنا؟
سمعنا من وزراء سابقين أن إصلاحا جذريا سيتم وسيشمل كثيرا من الأنظمة والتعليمات والصلاحيات، واختيار وضبط وتقييم مجالس الحاكمية في الجامعات. كثرت الجعجعة ولم نرَ طحينا، بل رأينا المزيد من التغول والتنمر من بعض الإدارات التي ملأت أخطاؤها وخطاياها الدنيا وشغلت الناس.
كتبنا كثيرا، وكتب كثيرون غيرنا أن الأستاذ الجامعي حار دليله، وتاهت بوصلته، وشحت اختياراته، وما عاد يحتمل ظلم مؤسسته له، وعجزت الجهات التي عقد عليها الأمل عن الحل، فلمَ لا يصار إلى استحداث جهة رقابية ذكية جادة موضوعية ذات فاعلية وصلاحية تناط بها مهمة حل الإشكالات المستعصية في بعض الجامعات ؟ ألا يستحق الأمر مثل هذا ؟
لقد تناسلت عشرات المؤسسات والهيئات التي لا داعي مهما لها، بل شكلت عبئا ماديا ونفسيا على الوطن، ألا يستحق آلاف الأساتذة الجامعيين أن تكون لهم هيئة أو عصبة أو لجنة أو حتى "مخترة" تتولى النظر في المشكلات الإنسانية الإدارية المهمة، وتلزم المدعي بالبينة، فإن عجز أقامت عليها الحجة ورفعت له أعواد المشانق؟!
إن موته مرة واحدة أرحم له من موته كل يوم مئة مرة وهو يشكو أمره لظالمه فلا يتلقى منه إلا المزيد من التجاهل والإمعان في الظلم.
قالوا : إنهم سيعيدون النظر في مجالس الحاكمية. ونقول : إن هذا الأمر لو حصل سيكون أولى خطوات الإصلاح الحقيقية، فمن حق المدرس أن يعرف، مثلا مثلا، كيف يتم اختيار عمداء الكليات الذين يتحكمون في خلق الله : يمنعون ويمنحون ويتسيدون ويقررون ويظلمون....إلخ؟ (وسيكون هذا مدار مقالات قادمة لإظهار مدى أثره وعظيم خطره).
تتفجر التشكيلات في وجوه المدرسين مطلع العام الجامعي، وتلعلع أسماء العمداء المحظيين دون أن يعرف لمَ تمّ اختيار هذا؟ ولمَ تمّ استبعاد ذاك؟ وما المعيار الذي تم بموجبه الاختيار؟
( للتوضيح : الكاتب لا علاقة له مطلقا بالمناصب أو المكاسب )
هل يتم اختيار العميد وفق معيار عشائري؟ مناطقي؟ ديني؟ مهني؟ أخلاقي؟ مزاجي؟ شخصي؟ مصلحي؟
هل للكوتة النسائية نصيب؟ للطول؟ اللون؟ شكل العين أو الأنف؟ عرض الفقار أو الأذن أو الكتف؟....إلخ
ضعوا لنا معيارا، أيّ معيار،(مسطرة) نقيس عليها ونقاس ولا تترك فرصة لشك أو وسواس. على حد علمنا المتواضع ــ لأننا بعيدون عن رياض الرئاسة التي يرتع بها المقربون ــ فإن الرئيس ــ غالبا ــ لا يستقصي المدرسين في الكلية المعنية، ويستنطق ملفاتهم، وسيرتهم الذاتية والأكاديمية والأخلاقية والجنائية، وصحتهم الجسمية والنفسية قبل أن يختار أحدهم عميدا، ويسمح له أن يفحّج على رقاب العباد، فكيف يستقيم هذا في مؤسسات يفترض أنها منارات العدل والنزاهة والعلمية والموضوعية؟!
إن بقي من يهمه أمر جامعاتنا، فإننا نتوسل إليه أن يستمع إلينا :
الجامعات تقود المجتمعات نحو التنوير والعدالة والإصلاح والفلاح، فكيف نتوقع منها شيئا من ذلك وكثير من أساتذتها يعانون من الظلم والتنمر المرضي الأحمق، وغياب العدل، وقرارات الإدارات الجوفاء التسلطية؟!
مجالس الأمناء, مجلس التعليم العالي، وزارة التعليم العالي، لجان التربية والتعليم في مجلس الأعيان والنواب، الهيئات الرقابية المعنية.... افتحوا أبوابكم للمظلومين واسمعوا منهم لا عنهم. اسمعوا المظالم، وتحققوا منها بذكاء وجدية، وأنصفوا أصحابها، وأعيدوا لهم ثقتهم بوطنهم ومؤسساتهم وأنفسهم، ولا تخذلوهم وتسلموهم إلى فئة من المارقين الغارقين في ساديّتهم وأهوائهم وأمزجتهم.
وإلّا تفعلوا فتأكدوا ــ وأنتم العارفون ــ بأننا جميعا سنخسر، وسنستمر في منزلق التردي والتأخر.
عانينا طويلا من ظاهرة العنف الطلابي، فهل نحن الآن على بوابة العنف بين أساتذة الجامعات وبعض الإدارات؟ وهذه حقا إحدى الكُبر.
عندما تغلق كل الأبواب والآفاق أمام المظلوم، فماذا ننتظر؟!
ها نحن نطرق خزان غسان كنفاني، فهل من مدّكر؟؟!!