ان وجود قانون انتخاب تتوافق عليه
القوى والمكونات المجتمعية والسياسية والحزبية المختلفة ، بما يضمن تمثيلها تحت
قبة البرلمان تمثيلا حقيقيا من شأنه وضع عملية الاصلاح على المسار الصحيح ، بوصفه
مفتاح هذه العملية وجوهرها ومحورها ، وبالتالي لا يمكننا تصور اقامة البناء
الاصلاحي الديمقراطي المطلوب ، الا بوجود هذه القاعدة الاساسية . وبالتالي نضمن وجود
الاطار القانوني والشرعي الكفيل بترجمة مطالب الاصلاح الى واقع ، والتي تصبح من مسؤولية
هذه المكونات والقوى ، لا ان تطلبها او تنتظرها من السلطة التنفيذية مثلا ، طالما
انها باتت في المكان الدستوري الذي يخولها فعل ذلك . وبالتالي قد يكون من المستغرب
ونحن نتابع ما يجري من نقاشات وتبادل اراء على ساحتنا المحلية حول التوجه الملكي
بضرورة اعادة النظر بمنظومة القوانين والتشريعات السياسية ممثلة بقوانين الانتخاب
والاحزاب والادارة المحلية ، وجود اشخاص وقوى سياسية ومجتمعية تقدم بيانات ومذكرات
تتضمن مطالب اصلاحية تمثل خطوة لاحقة لانجاز هذه المنظومة القانونية والتشريعية ،
خاصة قانون الانتخاب ، الذي من شأنه مساعدتها في تحقيق هذه المطالب ، التي قد
يحتاج بعضها اجراء تعديلات دستورية مثلا ، تتطلب وجودها في المؤسسة التشريعية ، لا
مجرد الاكتفاء بطرحها ، لتكون قادرة على القيام بهذه المهمة الدستورية ، المرهون
تنفيذها بوجود هذا القانون الذي سيمنحها مثل هذه الفرصة . اي ان علينا ان لا نستبق
الاحداث ، وان نبني الأساسات اولا ، ثم نعلي البنيان الاصلاحي الوطني .
من هنا فان الجهود الوطنية يجب ان تكون منصبة
على اقرار قانون انتخاب بحجم التطلعات والطموحات الشعبية والمجتمعية والحزبية ،
الكفيلة بالارتقاء بالاداء النيابي الى مستوى تحديات المرحلة ومتطلباتها ، بحيث
يكون اداء برامجيا مؤسسيا نضمن معه الانتقال بالحالة السياسية الى مرحلة متقدمة ،
اساسها المشاركة الشعبية في عملية صنع القرار وادارة الشأن العام ، بشكل يعكس
وجود ارادة سياسية حقيقية على ضرورة تغيير النهج القائم على المحسوبيات والمصالح
الشخصية ، والخروج من دائرة التنفيعات والتعيينات الضيقة ، الى دائرة وطنية اوسع
وارحب تغطي الجغرافيا الاردنية لضمان الوصول
الى اصحاب الكفاءات والإمكانات العلمية والعملية ، الذين نعول عليهم في
مواجهة الصعوبات والتحديات التي يعاني منها بلدنا .
ان الامور لم تعد تحتمل تحويل مشهدنا الوطني الى
ساحة للصراعات والمناكفات ، لدرجة خروج البعض عن النص الوطني بحجة المطالبة
بالاصلاح ، الذي قد لا يكون من اولوياته ولا اهتماماته ، بل مجرد وسيلة يعمد الى
توظيفها في شحن الاجواء ، لان لديه قناعة بعدم جدية مطبخ القرار بوضع عملية
الاصلاح على المسار الصحيح ، وانه لا يملك الحلول الناجعة التي يمكنه من خلالها
معالجة الاوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية الصعبة ، والتي تمثل بيئة مناسبة
لهذا البعض الذي يحاول الصيد في الماء العكر . مما يجعلنا نتساءل عن جدوى اصرار
مطبخ القرار على عدم اشراك المواطن في العملية السياسية وانخراطه بها من خلال
الدفع بقانون انتخاب يضمن له ممارسة مثل هذا الدور ، ليتحمل مسؤولية مواجهة
التحديات والظروف الصعبة التي يمر بها بلدنا ، وحتى لا يبقى ( مطبخ القرار )
يتحملها وحده ، وذلك ايذانا بتغيير النهج واستعادة ثقة المواطن بمؤسسات الدولة من
بوابة المشاركة الشعبية في صناعة القرار ، ومن وحي الاوراق النقاشية التي ارادتها
جلالة الملك نقطة انطلاق للحوار حول الاصلاح ، وضمن اطار شمولي يشمل كافة الجوانب
السياسية والادارية والاقتصادية والاجتماعية .