برغم من مساحات التفاهم بشأن عدد معتبر
من القضايا بين أنقرة وطهران، إلا أن ثمة جملة من التحديات تضع حدوداً لسقف
العلاقة بين البلدين ابرزها غياب الثقة حيث ترى طهران أن تقارب تركيا معها،
وانخراطها في محادثات تسوية الأزمة السورية، لم يمنعها من الحرص على التنسيق مع
واشنطن فيما يتعلق بقضايا الإقليم، وظهر ذلك في التصريحات التى أطلقها الرئيس
التركي وأكد فيها أن أنقرة ترغب في تعزيز التعاون مع الإدارة الأميركية الجديدة،
وأن المصالح المشتركة تفوق الخلافات بين البلدين.
ورغم التوترات التي تشهدها العلاقات
بين أنقرة وواشنطن في هذه المرحلة ؛ إلا أن إيران تدرك أن تقارب أنقرة معها، هو
تقارب مؤقت مرتبط بمصلحة آنية، وهي تصاعد التوتر مع إدارة بايدن، وأن ملفات الخلاف
بين البلدين أكثر من ملفات التوافق، ويعزز من ذلك حجم ملفات الخلاف التاريخية منذ
عهد الدولتين العثمانية والصفوية.
في هذا السياق، ربما لا تستبعد إيران
أن تكون علاقاتها مع تركيا محورًا لنقاشات بين أنقرة وواشنطن والاتحاد الأوروبي،
تسعى من خلالها الأولي إلى استثمار العلاقة مع طهران لمساومة الثانية حول القضايا
العالقة، فى الصدارة منها اتهام وزير الخارجية الأمريكي، أنتونى بلينكين، لتركيا
بــ "الشريك المزعوم"، فضلا عن مساعى أنقرة لتلطيف العلاقة مع الاتحاد
الأوروبي قبيل قمته المقبلة والتى قد تتجه نحو فرض مزيد من العقوبات على أنقرة
بسبب عمليات التنقيب غير القانونية شرق المتوسط.
الخلاف الاخر بين طهران وانقرة تمدد
تركيا عسكريا في مناطق النفوذ حيث تتصاعد مخاوف طهران من توجه تركيا نحو توظيف
وجودها العسكري في سوريا والعراق، من خلال التوسع في بناء القواعد العسكرية
الدائمة، ناهيك عن أن العمليات العسكرية التركية المتتالية في شمال العراق لملاحقة
مسلحي حزب العمال الكردستاني، وإن كانت تصب في مصلحة إيران، لكنها تخفي قلقا
إيرانيا من تصاعد النفوذ التركي في كردستان العراق.
اما الخلاف الاخر بين البلدين فيتمثل
ببناء حزام نفوذ إيراني فبرغم مشاركة إيران وتركيا في محادثات آستانة لتسوية
الأزمة السورية إلا أن ثمة خلافات عميقة تحت السطح بشأن الصراع على النفوذ في
الإقليم بين البلدين، وظهر ذلك فيمحاولة كلٍّ منهما استثمار صراعات الإقليم،
وتوظيفها بما يناسب طموحاتهما. وتَعتبر تركيا أنّ إيران تسعى إلى الهيمنة على
الإقليم، وتقسيم المنطقة على مذبح الطائفية، من خلال بسط نفوذها في العراق وسوريا
ولبنان واليمن. وتنظر أنقرة إلى هيمنة المجموعات الشيعية الداعمة لإيران، في
سوريا، وحزب الله في لبنان، وميليشيا الحشد الشعبي في العراق، والحوثيين في اليمن
على أنّها نقاط استناد استراتيجية لمحاولة تأسيس حزام نفوذ إيراني يمتدّ إلى
المتوسّط، وهو ما تراه أنقرة تهديدا مباشرا لمصادر نفوذها ولمصالحها الإقليمية.