بقلم:
د. حفظي اشتية
منذ
ظَلَم سيدنا آدم عليه السلام نفسَه، ومنذ قتل قابيلُ هابيل، طُبعت حياة بني البشر
بحكم لا تغيير له ولا تبديل: ستَظلمون وتُظلمون إلى يوم تُبعثون.
لكن
يُلاحظ في الفترة الأخيرة استشراء الظلم وانتشاره، لغياب الوازع والرادع. وقد مضى
علينا زمان في هذا البلد كان فيه الظُّلام محدودين ، وكان الناس يبادرون إلى نُصرة
المظلوم، امتثالاً لأمر ربّهم، وتأسّياً بهدي نبيهم ، واقتفاءً بسنة الصالحين
منهم. وكثيراً ما ضحى نبيلٌ شريفٌ بحياته ثمناً لإغاثة صريخ، وردّاً للأذى عن
ضعيف!!
ألم
يكن هذا الوطن وهو بحجم بعض الورد موئلاً للأحرار, وملاذاً للمظلومين وللمشردين من ديارهم منذ بواكير نشأته
إلى يوم الناس هذا؟؟ ناصرَ وآوى وآثَر ضيوفه الضعفاء على نفسه، وهو في لُجة
الخصاصة.
فلماذا لا نكون الآن سائرين على هذا النهج،
فنعود إلى شيمنا العالية في التعاون على الحقّ, والتناصر على ردّ الظلم؟
مؤسفٌ
جداً أننا الآن نبدو كأننا انسلخنا عن جلدنا، ونأت عنّا ونامت نخوتنا ومروءتنا،
واستمْرأنا مشاهدة الظلم عياناً أمامنا دون أن يحرك ذلك ساكناً فينا، وتوارى كلٌّ
منا يبحث عن النجاة لنفسه، وتناسى أن الدور قادم عليه، ولا مفر منه.
وتسبَّبَ
ذلك في شيوع أمراض النفاق والتزلّف والوصولية والانتهازية والمحسوبية والشلليّة و(الميكافيلية)..... وغادرنا معارج
الشواهين، وانحدرنا إلى مدارج بُغاث الطير.
وانعكس
ذلك سلباً على حياتنا، وأدائنا لمهامّنا، وانتمائنا لقيمنا، ومستوى مؤسساتنا، فبدا
معظم المشهد الكليّ سوداويّاً لا يبشر بأيّ خير.
وإلى كلّ مَن يظنّ غير ذلك من بعض المترفين
بالمناصب، والمتخمين بالمكاسب، فيلفظ في مسامعنا بأنّ هذا جلد للذات، نقول:
مواجهة
المريض بمُرّ الدواء، وقسوة الحكم، أسلمُ ألف مرّة من الاستنامة إلى زائف الوهم
والحلم.
وإذا
أسقطنا ما مضى على بعض مؤسساتنا وجامعاتنا يمكننا القول:
مَن
منّا ينعم بالراحة النفسية؟؟ المظلوم تعصره الهموم، ويرى أمامه أُفقاً مسدوداً دون
بارقة أمل، والظالم سادرٌ في غيّه، دائم التلفّت حوله، لا يشعر بالأمان، يحسب كل
صيحة عليه، ويظنّ أنّه يَمضي صُعُداً، وهو في الواقع ينزلق نحو الهاوية، لكنّه لا
يرعوي حتى تصيحَ الهامةُ اسقوني.
فإلى
رُعاتنا، والقائمين على مؤسساتنا، وجامعاتنا، نعيد على مسامعهم صرخة نصر بن سيّار
المنتمي لوطنه، الحريص على أمنه، المحذّر من تفشّي الظلم والفتنة فيه:
أرى
خَلَلَ الرماد وميضَ نارٍ فيوشكُ
أنْ يكونَ لها ضِرامُ
وإنَّ
النارَ بالعودَينِ تُذكـــــى وإنّ الحــــربَ مبدؤها الكلام
ولأنّ
الصوتَ لا يفيد بعد الفَوت، فإننا نعيد التأكيد بأنَّ بعض الحال سقيم، وبعض الأمر
غير مستقيم، ولابدَّ من المبادرة إلى البدءِ بالعلاج.
جزءٌ
من العلاج يكون بإعادة السلطة للقوانين والأنظمة والتعليمات، والاحتكام إليها
لتسوية الصف بين الصغير والكبير، والاستقواء بها على الحكم بين القويّ والضعيف.
وجزء
من العلاج يكون بالعودة إلى مخافة الله، وكريم الأخلاق، فلا تُحرَّف تلك القوانين
والأنظمة والتعليمات أو تُفسَّر وفق الأهواء، أو تُحمل على الوجه الذي يخدم
المسؤول، أو توكَل لمَن يطوّعها ويعبث بتطبيقها، ويجرّدها من إهابها، فتفقد
جدواها, وتحيد عن صوابها .
وجزءٌ
من العلاج يكون بإعادة السويّة إلى منظومة المجتمع القيميّة، فيُحترم الإنسان
لخُلُقه، لا لجاهه فهو عارض، ولا لأمواله فهي عارية، ولا لمنصبه فهو زائل، ولا
لقوّته فهي واهية......
وجزء
من العلاج يكون بإصرار المظلوم على المطالبة بحقه المشروع القانونيّ, بأسلوب سلميّ
حضاريّ.
واجِهْ
الظالم، واستشرفْ النهاية بعد المعاناة, فهي لصالحك، وانتظر العُقبى بعد طول
عذابك، فهي لك. لا تغترّ بقوّته التي يتظاهر بها، فهو واهٍ واهنٌ هشٌّ ضعيفٌ،
لأنّه على باطل، وأنت القويّ بحقّك، و بصبرك، وبصمودك، وبدأبك وجدّك في عملك.
اجعل
الله رقيباً عليك تكن عالياً، تحت أخمَصيك المناصب، واترك لظالمك الحَيرة الدائمة, والحرص المَرَضِيّ على تتبعك والتجسس عليك،
فذلك داؤه الذي يرميك به، وينسلّ إلى تناسك الثعالب.
وأمّا
أنت أيها الظالم، فعليك أنْ تتجرّد من الزيف لحظة صادقة من عمرك. قف أمام مرآة
نفسك، وانظر: ماذا ترى؟؟ أنت الأعلم، وأنت الأدرى بحالك، وأتركُ الجواب لك.
لكنّ
هاتفاً من شيخنا المتنبي يَعْبر ألفاً ومائة عام ليصيح عبر المدى، ونردّد نحن
الصدى:
نحنُ
أدرى وقد سألنا بنجدٍ أطويلٌ
طريقنا أم يطولُ؟
وكثيرٌ
من السؤال اشتياقٌ وكثيرٌ من ردّه
تعليلُ.