أسهمت الثورة العلمية التكنولوجية ولا
سيما في مجال الاتصال والإعلام في إحداث تغييرات جذرية في حياة الناس أفرادا
وجماعات وشعوبا وبلدانا، فهي لم تترك مجالا من مجالات الحياة وإلا وتغلغت فيه
لدرجة جعلت العالم مختلفا بفعل هيمنة وسائل الاتصال وتكنولوجيا الإعلام ، وبقدر ما
زادت من درجة التواصل بين الناس فإنها في الوقت نفسه وضعت حواجز بينهم اذ تقلص
التفاعل المباشر وحل محله العالم الإفتراضي في الكثير من الاحيان .
انتقل الانسان من عالم المعرفة إلى
عالم المعلومات هذه الأخيرة تصل اليها من دون خبرة انسانية حتى أن " بعض وسائل
الإعلام الجديدة " أصبحت منتجة للمعرفة وليست ناقلة للمعلومات فحسب بل مؤثرة
في كل شيء تقريبا من العلم الى الشائعة من الرأي الى الخبر سواء كان صحيحا ام
كاذبا ومن هتك الاسرار الشخصية الى الاختراقات وتهديد الأمن الوطني مما يدفع
الحكومات والمجتمعات إلى التفكير في إيجاد معالجات وحلول لمنع التأثير السلبي
للظواهر الجديدة وهو ما نعني به الأمن السيبراني .
هناك رأيان متعارضان بشأن التعاطي مع
الظواهر الجديدة في الإعلام الأول يريد منع وسائل الاتصال الحديث او تحريمها أو
وضع رقابة شديدة عليها تحت عنوان " الأضرار " التي يمكن ان تلحقها
بالفرد او الجماعة او الدولة تلك التي قد تؤدي الى جرائم والثاني لا يريد اي نوع
من الرقابة كي لا تستغلها الحكومات لحجب الآراء والمعلومات والاخبار ويندرج ذلك
تحت عنوان " حرية التعبير " التي ينبغي ان تكون مصونة بحسب الشرعية
الدولية لحقوق الانسان .
وبين هذا وذاك هناك رأي ثالث ينحاز الى
حرية التعبير ولا يريد الحد منها لكنه يفرق بين حرية التعبير و" حرية التشهير
" والحاق اضرار بالفرد والمجتمع والدولة لذلك يقتضي إيجاد توازن بين حرية
التعبير وبين الحق في حماية الخصوصية والحافظ على الاسرار الشخصية والعامة من
الأضرار المحتملة او الناجمة عن الاستخدام غير الشرعي او غير القانوني لهذه الحرية
الأمر الذي يؤدي الى التجاوز على أساسها .
اذا كان الإعلام القديم منحصرا بمن
يقوم بالوظيفة الإعلامية ليؤرخ اللحظة فإن اي فرد بامكانه ان يقوم بهذا الدور في
الإعلام الجديد من خلال الايميل والهاتف النقال وجميع الوسائل التي يطلق عليها
ذكية الاتصال بحيث يمكن إرسال خبر وصورة وصوت بالتفاصيل المحيطة خلال لحظات ليصل
الى العالم اجمع ويتلقاه مئات الالاف من الناس بل الملايين بلمح البصر .
كان التحكم بوسائل الإعلام ما قبل
الجديد الصحيفة والراديو والتلفزيون والكتاب وغيرها ممكنا ويسيرا الا انه من الصعب
اليوم التحكم بوسائل الإعلام الجديدة تلك التي لها وجه ايجابي يتعلق بعولمة
الثقافة والعلوم والتكنولوجيا ووسائل الاتصال والحقوق والمعلومات والجمال ووجه اخر
سلبي قد يكون خطرا وهو ما يدفع العالم ثمنه باهظا تلك احدى مفارقات ثمن الذكاء
الانساني اذ يتم عولمة الكراهية والتعصب ووليدة التطرف وحين يتحول الأخير الى سلوك
يصبح عنفا بالتحريض عليه هو بدوره ما يمكن أن يتحول الى ارهاب اذا ما ضرب عشوائيا
فالأول يعرف الضحية ويقوم بمواجهتها لاسباب عنصرية او طائفية او دينية او
ايديولوجية اما الثاني فهو لا يعرف الضحايا بل يريد إحداث رعب في المجتمع لتحقيق
أهدافه خارج أي اعتبار إنساني .
مثل هذا الإشكال يطرح المسألة من
زاويتها الإنسانية ما السبيل الى تنظيم استخدام المنجزات العلمية – التقنية بحيث
لا تؤدي الى إلحاق ضرر بالانسان من دون ان تحجب حقه في ابداء الرأي والتعبير
والحصول على المعلومات وغير ذلك من الحقوق المتعلقة بالثقافة والعلم والتكنولويجا
والتعليم والآداب والفنون ؟ يحتاج ذلك ربما الى وسائل ذكية لمواكبة الذكاء
الإنساني بتعظيم الفوائد وتقليص الأضرار وبوضع تشريعات جديدة لمنع الجرائم التي
تحرض على التعصب والتطرف والعنف والارهاب والعنصرية وافشاء الاسرار بهدف حماية
الخصوصيات الشخصية والعامة .