بقلم: خوله كامل الكردي
تتعالى الاصوات في اوروبا للحد من
انتشار الاسلام فيها، واذ تواجه تلك الاصوات بالاستنكار والشجب من عموم المسلمين
وبالاخص اولئك الذين يعيشون في اوروبا وساهموا في بناء الدول التي هاجروا اليها
وشهدت نهضة كبيرة على اكتافهم واكتاف اسلافهم. ينبري رئيس فرنسا ومن سار على خطاه
من اعضاء حكومته متوعدين الاسلام "المتطرف "او ما يسمي "
الاسلاموية" بالضرب من حديد! فكيف يمكن ان يستقيم الامر، وهناك ما يقارب من ٧
ملايين مسلم في فرنسا، فهل ستبقى الدولة الفرنسية تعتمد خطاب التمييز بين مواطنيها
واتهام اكبر اقلية فيها بالتطرف والارهاب؟ خطاب لا يخلو من التهجم الصريح والواضح
على ما يعتبرونه "الاسلاميون المتطرفون"، فما المقصود من تكرار تلك
الخطابات والتي تزيد الامر سوء، وتاثر ليس فقط على الجالية الاسلامية هناك والتي
معظمها قادمة من المغرب العربي بل على الشعب الفرنسي نفسه ذو الاصول الاوروبية،
لتصب الزيت على النار في العلاقة المتوترة اصلا بين من يديرون دفة السياسة ليس فقط
من فترة حكم ماكرون بل منذ فترة بعيدة، يجنح معظم هؤلاء الساسة الى الهجوم على
المسلمين ولو بشكل موارب متجاهلين الخطاب العقلاني المبني على الوقائع، والذي يقول
ان فرنسا ما كان لها ان تنهض وتصحو من كبوتها بعد الحرب العالميتين الاولى
والثانية لولا سواعد وجهود المهاجرين الجزائريين وغيرهم من مهاجري المغرب العربي.
ربما يستدعي الامر الرئيس الفرنسي ان
يخفف من وطأة اللهجة التي يتبناها امام عموم الشعب الفرنسي بخاصة المسلمين منهم،
فهل سيدرك ماكرون خطورة الخطاب الذي اعتمده سابقا في حادثة مقتل المعلم الفرنسي
وحادثة كنيسة نوتردام؟ وهل سيدرك ان لغة العقلانية هي التي يجب ان تسود خطاب
القاطنين في قصر الاليزيه؟! ماكرون لم يال جهدا فدعى الاتحاد الاوروبي للوقوف الى
جانب فرنسا في الظرف العصيب الذي تمر به خصوصا بعد ظهور دعوات لمقاطعة المنتجات
الفرنسية في الدول الاسلامية والتي انتشرت كالنار في الهشيم، ليتصدر وزير خارجية
بريطانيا ويعرب عن وقوف بلاده الى جانب فرنسا.
اذا ما استمرت فرنسا في نهجها في
التعامل غير الرصين مع شريحة مهمة من المجتمع الفرنسي، بينما كان خطاب بعض
المفكرين والكتاب الفرنسيين وبعض الساسة الاوروبيين كالمستشارة الالمانية انجلينا
ميركل ورئيس وزراء كندا جاستن ترودو يمتاز بالاعتدال والحكمة، والموقف الذي اتخذته
الحكومة البلجيكية في ايقاف معلم عن العمل بعد ان عرض رسومات مسيئة عن الرسول صلى
الله عليه وسلم امام طلابه، يشي بما لا يدع مجالا للشك نجاعة اسلوب المقاطعة معهم
والخشية من ان تطولهم تلك العقوبات الشعبية الاسلامية. فهل تصريح الرئيس ماكرون في
مقابلة مع احدى القنوات العربية تفهمه لمشاعر المسلمين لنشر الرسوم المسيئة يوحى
بادراكه لخطورة الاستهانة بالرموز المقدسة لدى المسلمين؟ ربما اراد ان يحفظ خط
الرجعة لا انه بالفعل تفهم مشاعر المسلمين فما معنى ان يسمح لمجلة "شارلي
ابدو" ان تهيج العالم الاسلامي باستمرار استفزاز مشاعر مليار ونصف المليار
المسلم اكثر من مرة؟ والتجرا بوضع تلك الرسوم على مباني حكومية بتشجيع من الرئيس
الفرنسي نفسه عندما صرح وقال سنستمر بالتعبير عن حرية الراي، اعتماد اسلوب الوجهين
في الخطابات الغربية هو ما اوقع العالم في مشاكل وكوارث لم تنته حتى وقتنا الحاضر.