من الطبيعي ان
لا يجد اصحاب المقالات والكتابات المسيئة والهابطة والتي تتجاوز احيانا الخطوط
الحمراء وتتطاول على الرموز الوطنية ، مساحة لهم للنشر في وسائل الاعلام المحترمة
والمتزنة والملتزمة باخلاقيات المهنة الصحفية والاعلامية . مما يضطرهم للبحث عن
البديل لنشر افكارهم وكتاباتهم السلبية ، والذي قد يجدونه في بعض منصات التواصل
الاجتماعي المنفلتة والبعيدة عن الضوابط المهنية والاخلاقية ، التي تمثل بالنسبة
لهم بيئة صالحة للنشر ، طالما ان بين روادها والمتعاملين معها من يجنح للاثارة
ولا يهتم بالحقيقة او صحة المعلومة ، ولديه الاستعداد لاعادة نشرها دون التحقق من
مصدرها ومصداقيتها ، وكأنه يوافق كاتبها طروحاته غير مسؤولة ، ليعطي او ليبقي
الفرصة مفتوحة امام كل من لم يستطع قراءة المقال عند نشره ، لتعويض ذلك من خلال
اعادة نشره .. وليتحول الى اداة او شريك في بث معلومات او اخبار مفبركة او مغلوطة
لم تجد طريقها للنشر عبر وسائل الاعلام التي تحترم نفسها وتلتزم باخلاقيات المهنة
، وترفض ان تكون جسرا اعلاميا لتمرير الاشاعات والافتراءات والاكاذيب التي يروجها
اصحابها من الذين امتهنوا الانحراف عن جادة الصواب ومسار الاعلام المهني المسؤول
بحثا عن الشعبويات الرخيصة . الامر الذي
كثيرا ما يستوقفنا ونحن نرى البعض المستهتر وهو يتطوع باعادة نشر مادة اعلامية
مسيئة ، ليساهم بتوسيع رقعة نشرها نيابة عن صاحبها الذي كان يراهن على امثاله في
المساهمة في بثها الى ان كسب الرهان وكان له ما اراد طالما ان هناك من يسهل
الايقاع به في براثن الاقلام الملوثة ،
بدلا من لجمها والحد من نشرها من خلال تجاهلها ووقفها عنده وعدم اعادة نشرها ،
والا فانه يشارك كاتبها افكاره وكتاباته المسمومة ، طالما قبل وسمح لها بالمرور
والنشر من خلاله .
في تأكيد على
سلبية اعلام منصات التواصل الاجتماعي المنفلت والبعيد عن المهنية والحرية
المسؤولة وخطورته ، والمساهم في حالة الارباك التي باتت تسود المشهد الوطني بعد
ان اصبح بلدنا بشخوصه ومؤسساته في الفترة الاخيرة تحت رحمة تأثير ضغط هذه
المنصات ، وما تتناقله من اخبار ومعلومات متنوعة ومختلفة ، بصورة غير مسبوقة وغير
معهودة على ساحتنا وثقافتنا وقيمنا . وان كان ذلك نتاج ثورة اتصالاتية ومعلوماتية
عالمية لا تعرف حدودا ولا ثقافات . ولأن مساحة الحرية في بلدنا اوسع من غيرها في
كثير من دول المنطقة تحديدا ، فان من الطبيعي ان نتأثر أكثر من غيرنا بتداعيات
هذا المساحة واثارها على كامل منظومتنا المجتمعية دون استثناء ، حتى بات الجميع
عرضة لأن يكون مادة ( اعلامية ) تتناقلها وتتقاذفها هذه الامواج الاعلامية
العاتية ، وذلك حسب درجة تفاعله او موقعه في المجتمع ، والمساحة التي يشغلها او
يحتلها فيه . مما جعل من الرسمي والشعبي مشمولا في هذه التغطية الاعلامية (
الاجبارية احيانا ) ، مرة اخرى كل حسب موقعه او حضوره في المشهد الوطني . وان كان
الرسمي اكثر عرضة وتأثرا بهذه التغطية ، التي استباحت كل شيء حتى الخصوصيات ،
التي اخذت تلقى رواجا كبيرا وعلى مساحة الوطن كله . وذلك دون وجود فلترة وطنية
يمكنها ان تميز او تفرق بين الغث والسمين ، او الصح والخطأ او تخضع ذلك الى
مرجعيات اخلاقية او قيمية او حتى التحقق من مدى صحتها ومصدرها . وبدا ان الدولة
الاردنية بجانبها الرسمي تحديدا ، امام تحدي فرضته وسائل التواصل ، التي مست
مختلف هياكلها ومؤسساتها ومكوناتها ، وجعلتها في دائرة الاستهداف ، خاصة في ظل
حالة فقدان ثقة المواطن ( المحرك الفعلي
لبوصلة هذه الوسائل ) بهذا الجانب الرسمي بكل تفرعاته ، موجها له سهام نقده
بمناسبة او دون مناسبة ، حتى بات كل من له علاقة بالعمل العام ، عرضة للاصابة بهذه
السهام على شكل نشر او اعادة نشر ما تجود به هذه المنصات من اخبار وتعليقات سلبية
ومفبركة ، طالما ان ذلك يعزز من فرصة اصابة الهدف ، مما جعل من المشهد الوطني
حافلا بالروايات والاخبار المختلفة والملفقة احيانا على شكل اشاعات وافتراءات
واساءات ، عزز من انتشارها غياب المعلومة او الرواية الرسمية على شكل رد او توضيح
او نفي او تفنيد او تكذيب لها ، حتى باتت الضبابية سيدة الموقف ، لأن الجانب الرسمي
لم يحسن التعاطي مع هذه الروايات والاخبار الملفقة في الوقت المناسب ، والتي قد
تصبح في لحظة خارج السيطرة ، بحيث لا يجدي الوصول الرسمي المتأخر نفعا في التعاطي
معها .