من منا لا يتذكر مشهد دخول والده إلى البيت حاملا بيده كيس فاكهة أو صفط حلوى، يتصبب العرق من جبينه وقميصه مبتلا من العرق، نشم رائحته لا ننفر منها، فيجتاحنا شعور جميل نحب فيه أن نرى والدنا كل يوم يطل علينا بهدية جميلة بين يديه، ومن منا لا يتذكر اوقات رمضان المبارك واللمة حول مائدة الإفطار يزيدها هيبة تربع الأب في صدرها كنا نشعر فيها بطعم رمضان ونكهته، والحديث عن العيد ذو شجون وقد أقبل واشترى الجميع ملابس العيد والفرحة لا تسعنا، وتحلو البهجة في صباح العيد عندما يصطف الأبناء ليسلموا على أبيهم ويقبلوا يده التي غزاها التجاعيد وعلامات التعب والشقاء ليعطيهم عيدية العيد، والتي كان لها مذاق خاص بالرغم من قيمتها الزهيدة، لا ينسى أحد منا الابتسامة المشرقة المرتسمة على وجه الوالد عندما يرى أبناءه متجمعين حوله والفرحة تعلو وجوههم، وهذا هو أسمى ما يتمناه كل أب لابناءه.
لقد تضاعفت مسؤوليات الآباء وصار لزاماً عليهم توفير متطلبات أسرهم اليومية، وزادت خاصةً بعد ظهور فيروس كورونا، وصار الهم الأكبر على كاهلهم في كيفية حماية أبناءهم من خطر هذا المرض، وتقديم كل رعاية لهم ترفعهم عن سؤال الآخرين.
إن العمل الذي يقوم به الآباء جدير بأن نقف له إجلالا واكبارا، فلولا تعب آباءنا ما كان لنا أن نعيش حياة كريمة، ولولا نصاءحهم والتي تأتي من عمق تجربتهم، ما كان لأحد منا أن يواجه الحياة بحلوها ومرها والتعامل مع الناس بمختلف امزجتهم. فالمجتمعات البشرية ما كان لتقوم لها قائمة لولا تضحيات رجال يحملون كل معاني الإخلاص والايثار، الذين هم بالاصل آباء لهم أبناء ينتظرون قدومهم إلى البيت بفارغ الصبر معانقينهم ومتفقدين أحوالهم، فما بالنا بمن فقد أباه ولم يره أو يشعر بمشاعر الأبوة والفخر بوجود اب يسنده ويرعاه.
فالأب كلمة لا يعرف معناها الا من فقدها، فالابوة تربي النفس على الصبر والتضحية والعطف، لقد تطورت المجتمعات البشرية وازدهرت بسواعد الآباء الذين علموا الأجيال المبادىء والقيم والأخلاق، حفظتها من أي انحراف عن جادة الصواب.
هؤلاء هم الآباء والذين نقدم لهم كل التحية والتقدير على تفانيهم وتعبهم في تربيتنا ورعايتنا ونحن صغار لا ندرك المعاناة التي يكابدونها كل ذلك لأجل أن يرونا شبابا نحمل اللواء من بعدهم..... سيبقى جميلهم يطوق اعناقنا ما حيينا ولن نترهم مثقال ذرة... لأنهم حبة العين والنجمة المضيئة لطريقنا في هذه الحياة القاسية.