العميد الركن المتقاعد اسماعيل عايد الحباشنه
في تاريخ الشعوب والدول محطات نوعية استثنائية يتوقف عندها الجميع احتفاء بأحداث ومناسبات مفصلية في حياة هذه الشعوب، ومن أبرز هذه المحطات ذكرى أعياد الاستقلال بعد معاناة تطول أحيانا وتقصر في أحيان أخرى مع العهود الاستعمارية البغيضة. والمؤكد أن الخامس والعشرين من أيار من كل عام يمثل إحدى هذه المحطات الزمنية الفارقة في المملكة الأردنية الهاشمية، حيث يحتفي الاردنيون بذكرى الاستقلال المجيدة، التي تنطوي على الكثير والكثير مما يقال ويناقش على الصعد كافة المعنوية والسياسية والوطنية.
وإذا كان البعض لا يعرفون تفاصيل غابت عنهم بقصد او غير عن معاناتنا وتاريخنا فينبغى أن نقدمه إليهم كما حدث بمنتهى الاعتزاز ونبدأ قبل الآخرين بأجيالنا التى أصيبت بعلة التجاهل وعدم التواصل ومعرفة معنى الاستقلال والطريق الطويل والشاق الذي أدى إليه بعد نجاح الجهود الوطنية المتواصلة من الآباء والأجداد وخروجهم من دهاليز المؤامرة ومحاولات الوصاية والتقسيم. لقد نهضت الاردن بفضل تلك الجهود سليمة معافاة رغم المعاناة والظروف الصعبة ودهاليز السياسة التي شابت تلك الفترة.
فمن روح الثورة العربية الكبرى قامت المملكة الأردنية الهاشمية على ذات الثوابت والقيم ونهض الأردن برسالته القومية والوطنية.
و الاستقلال هو نقطة التحول الكبرى في تاريخ الأردن ومسيرته الحضارية، ويحمل معان كريمة وعزيزة على نفوسنا تذكرنا بالتضحيات التي قدمت لتصبح المملكة موطنا للتقدم والحرية والبناء والذود عن كرامة الأمة وحريتها.
الاستقلال، «الذي ضحى في سبيله الرعيل الأول لتحرير الإرادة الوطنية، وبناء المستقبل الأفضل، والذي يجسد التضحية، والانتماء، وتحمل المسؤولية، لبناء الأردن، والحفاظ على أمنه واستقراره ومنجزاته».
ان معادلة الثقه بين أبناء الوطن والقيادة الهاشمية لم تكن مجرد شعارات بل مزجت بالتضحيات الغالية وساندها الوقوف المشرف لابناء الوطن الشرفاء وراء القيادة الرشيدة والالتفاف حول المواقف الوطنية الذين لا يترددون في تقديم أنفسهم رخيصة وما يملكون فداء للوطن وكرامته وعزه.
في الاستقلال نستذكر كيف تسامت وتعالت قيمة الإنسان الأثمن والأغلى فيما نملك، والتي جعلها جلالة الملك واقعا نعيشه لا شعارا فقط، حيث كانت سلامة المواطن وصحته الاولوية في ظل جائحة كورونا، وندرك كيف استطاع الأردن تجاوز الصعاب وكيف كان يخرج عند الشدائد قوياً صلباً متماسكاً موحد
وهنا نشيد بالحرص الشديد من القيادة الهاشمية الحكيمة على تجنيب سفينة الوطن عواقب الأخطار والتحديات الاستراتيجية التي تموج بها منطقة الشرق الأوسط، والإبحار بالسفينة وسط الأمواج بكل حكمة واقتدار من خلال إعلاء مصلحة الوطن وامتلاك رؤية رشيدة وواعية للأحداث ومقدرة عالية على استشراف اتجاهات الأحداث وتبني ما يلزم من سياسات وتوجهات لمصلحة الوطن وابنائه ليؤكد جلالته في كل مناسبة من المناسبات أن الاستقلال ليس قرار فردي بل هو إرادة وطن مستمرة ومتواصلة عبر التاريخ تستمد قوتها من استقلال الإرادة الوطنية، وتتجلى في دعم رمز الوحدة الوطنية الذي يعبر عن إرادتها وقرارها وتصميمها... وهذا هو درس التاريخ الذي تعلمناه من تجربة الاستقلال
دروس كثيرة وعديدة تنتجها هذه المناسبة التاريخية ولكن أبرزها وأكثرها جلاءً على الإطلاق ربما يكمن في هذا التلاحم الفريد بين الشعب وقيادته التاريخية، وهو تلاحم لا يزال يمثل أحد عناصر الخصوصية والتفرد الأردني، فالأسرة الهاشمية لا تمثل فقط قمة النظام السياسي بل هي رمز تاريخي لوحدة وطننا العزيز ونضاله ودفاعه الفريد عن هويته وعروبته وتماسك أراضيه ووحدته.
الاستقلال الوطني لأي دولة يبقى حاضرا في القدرة على التجدد واللحاق بالعصر، وبالقدرة على إعادة اكتشاف الذات وهو ملحمة ، سطر فصولها أبناء الوطن المخلصون وقيادته الوفية، في تماسك الشعب ووحدة الصف وقوة البناء، والثقة المتبادلة الراسخة، فالمصاب الواحد، والبيت المتوحد، ويعضد ذلك المسارعة إلى إثبات الولاء للوطن، والمبادرة إلى لملمة الجراح لمواصلة مسيرة الشرف والعزة، مسيرة إثبات الوجود، وصون الحدود، ونصرة الملهوف، وإغاثة المحتاج، مسيرة العطاء الحقيقي، فليس بعد التضحية بالدماء تضحية فمنذ تأسيس الدولة الأردنية وبما يقارب المائة عام كان الهاجس العربي في مقدمة أولوياتها، لأن القياده الهاشميه أدركت علم اليقين، أن جذورها العربية هي امتداد لحياتها، وأن وقوفها إلى جانب الأشقاء واجب لا تردد فيه، ومقدم على جميع الحسابات، وليس أدل على ذلك تضحيات الجيش العربي وخاصة في فلسطين وغيرها من البلدان الشقيقة والصديقة في تاريخه العابق بالشرف والكرامة والفداء وهي لا تخضع للمناورات أو الحسابات السياسية، فالدم العربي واحد، والمصير واحد، والمستقبل واحد.
حفظ الله وطننا وقيادتنا وقواتنا المسلحة واجهزتنا الأمنية وصان استقلالنا ومنجزاتنا الوطنية...