في ظل كارثة عالمية طالت الإنسانية جمعاء، وأوقعت مئات الألاف من الإصابات، جعلت معظم دول العالم تراجع حساباتها، وتتخذ من الإجراءات ما يمكن اعتباره إعلان حالة حرب فريدة، كانت ما تقوم به الدولة الأردنية يتقدم على الكثير من الدول، من حيث سرعة الإجراءات، ودقتها، وبدا أن ما تقوم به شكّل نبراسا لغيرها من الدول يُهتدى به في هذا المجال.
بادرت الدولة في خطوة جريئة إلى تفعيل قانون الدفاع، لينزل الجيش "العربي" إلى الشوارع والساحات، يحفظ أمن الوطن، وصحة المواطن من انتشار الوباء العالمي، الذي لم تسلم منه أغنى وأقوى الدول، وحظيت هذه الخطوة بالتقدير من المواطنين، واستحقت الإشادة من أطراف دولية كثيرة.
تأتي هذه الخطوة تزامنا مع احياء ذكرى معركة الكرامة، التي كانت قبل (52) سنة، والتي استطاع فيها الجيش العربي -وقتذاك- أن يسترجع ثقته بنفسه، ويعيد للأمة شيئا من هيبتها، بعد أشهر قليلة من عدوان صارخ حقق العدو من خلاله انتصارا لم يراوده في الأحلام، فقد تدفقت قواته بكل صنوفها، يسندها سلاح جوي وحيد في المنطقة، باتجاه الشرق ومرتفعات السلط، بعنجهية مفرطة، لتفرض أمرا تستطيع من خلاله أن تتحكم بكامل المنطقة، وتبعد عن نفسها شبح المقاومة، لكنّ جيشنا بصحوته، وإخلاصه، تصدّى لهذه القوات، وأوقع فيها من خسائر ما لم تعرفه من قبل في كل حروبها، بل لم يتسنى لها أن تسحب قتلاها وخسائرها، مما اضطرها لطلب وقف إطلاق النار، لكنّ طلبها رُفض من الحسين، حتى انسحب أخر جندي من الأرض الأردنية، وهو يجر أذيال الخيبة والفشل.
كانت معركة الكرامة نقطة تحول في مسار الصراع العربي الصهيوني، إذ أعادت للإنسان والجندي العربي شيئا من ثقته بنفسه، مقابل أن جيشهم قد فقد كثيرا من عنجهيته، لتنطلق بعدها حرب الاستنزاف على ثلاث جبهات عربية، التي تكبد فيها العدو خسائر فادحة وصولا بعد قليل إلى مبادرة عربية بشن حرب في جبهتين، وإن كانت هذه الحرب لم تحقق آمال الإنسان العربي من أهداف قومية، وعلى الرغم مما قد يقال حولها، إلى أنها شكلت أفضل حالة تضامن عربي في عصرهم الحديث.
يفخر المواطن الأردني بجيشه في حاضره، كما في ماضيه، وطالما كان هذا الجيش يقوم بدوره الأساسي بمهنية واحترافية، تثير الإعجاب، منعته من الولوج إلى متاهات السياسة، التي تفسد أقوى الجيوش، فقد تحول بعضها في كثير من الدول حولنا إلى أدوات هدم في مجتمعاتها، بحيث صار العسكر يديرون اللعبة والدولة بعقلية التسلط، وإزاحة من ينافسهم بالقمع والقهر، حتى أوصلوا بلادهم إلى الفشل المبين.
لكنّ الجيش العربي الأردني بقي دائما في ثكناته ومواقعه، يعرف واجبه تماما، ويقف عنده، ويقوم عليه، ولمّا كان دور الجيش -غالبا- يتمثل في ثلاث واجبات رئيسة؛ أولاها الدفاع عن حدود الدولة، والثانية المساهمة في حفظ أمن الوطن والمواطن، أمّا الثالثة فهي المشاركة في أعمال التنمية، فقد كان للجيش العربي الأردني دورا ونصيب في كل ذلك، واليوم يرفع الجميع القبعات لهذه القوات، عندما يرونها تقوم بواجب عظيم في حماية أمن الوطن، وصحة المواطن، بكل مهنية، ومحبة، لتقف في وجه أية مظاهر للاستهتار من قلة من الناس، وما يثير الإعجاب أكثر أن المواطن الأردني يتجاوب مع هذه الخطوة، كما باقي خطوات الدولة، بل وينتج من مبادرات الإبداع والتضامن مع مجتمعه ما يستحق التقدير.
الدوحة - قطر