محطة ادلب وان كانت تمثل اخر
محطات الصراع في سوريا ، كاخر معاقل مسلحي المعارضة ، الا ان تعقيداتها ستقود ربما
الى اطالة الازمة لحساب حسم بعض الامور العالقة بسبب الصراع التركي الروسي اولا
بشكل قد يخدم الحلول السياسية ويعيد الامل الى الجهود الدولية في هذا الاطار ، بعد
ان تأكد لموسكو استعداد انقرة للذهاب بعيدا في تدخلها في الملف السوري بحجة
ارتباطه بامنها القومي ، وهي تدفع بالمزيد من العتاد والقطع والاسلحة العسكرية
المتنوعة شمال سوريا معلنة عن عملية درع الربيع ، لتدخل في اشتباكات عسكرية مع
القوات السورية بعد مقتل عدد من جنودها قبل ايام . رافق ذلك عدم ممانعتها من توجه
اللاجئين السوريين الى الحدود الاوروبية ، ملوحة بهذه الورقة التي تؤرق الاتحاد
الاوروبي للضغط عليه لتحقيق اغراض سياسية واقامة منطقة امنة لايواء الفارين من
سوريا ، ودفعه للتحرك والاهتمام بما يجري في ادلب ، وما يتطلبه ذلك من دعم ومساندة
للموقف التركي هناك ، استنادا الى علاقة الشراكة بينهما في حلف الناتو . الامر الذي دعا دول الاتحاد للاعلان عن نيته
دعم حليفته في اطار الحلف من خلال تقوية دفاعاتها الجوية وتعزيز التعاون معها في
المجالات العسكرية والاستخباراتية ، وكذلك فعلت الولايات المتحدة التي ابدت هي
الاخرى استعدادها لتزويد تركيا بالذخيرة والعتاد العسكري من اجل العمليات العسكرية
، وبحث طلبها للحصول على انظمة صواريخ باتريوت الدفاعية . بما يعزز من موقف تركيا
واوراقها التفاوضية مع روسيا في سوريا . بما يشبه رسالة غربية الى روسيا بعدم
تجاوز حدودها في الملف السوري وتحديها للحليف التركي . خاصة ان موسكو التي تمكنت
من استمالة انقرة لها ، لا تريد ان تخسرها ، ولا تسعى لاستفزاز الغرب بطريقة قد
تجعله يعيد التفكير بالتدخل في الشأن السوري ، الذي منحها فرصة العودة ودخول
الحلبة الدولية مرة اخرى على امل تخفيف الضغوطات والعقوبات الغربية عليها لضمها
جزيرة القرم وتدخلها في شرق أوكرانيا . الامر الذي يفسر التفاهمات والتقاربات التي
تمت بين تركيا وروسيا في الكثير من المجالات ، كما تعكسه مباحثات سوتشي واستانا ،
وذلك رغم التناقض في موقفهما من الاحداث الجارية في سوريا .
مما قد يدفع بموسكو ويعزز من قناعاتها بأن مصير الأمور في
إدلب يتوقف على مدى ما تحققه مع انقرة من تفاهمات وترتيبات . دون أن تغفل امكانية
العودة إلى مرجعية جنيف ، التي تسعى الامم المتحدة وأميركا والغرب الى بث الروح
فيها من جديد من اجل كبح جماح التدخل في شؤون سوريا من قبل أطراف خارجية ، وسعيها
إلى موازنة الوجود والنفوذ الروسي في سورية . دون ان تغفل روسيا أيضا ، والتي تحاول كسب تركيا الى جانبها وعدم
المجازفة بعلاقاتها معها ، ان الأحداث التي تشهدها ادلب لها تداعياتها على الأمن
القومي التركي ، وان شن عمليات عسكرية فيها قد يقوض التفاهمات والتوافقات مع تركيا
. الأمر الذي شجعها ربما لعقد اتفاق معها لوقف إطلاق النار وإقامة منطقة امنة في
ادلب في سبيل تهيئة الظروف للحلول السياسية في سورية .
وبشكل عام فان تضارب المصالح بين الاطراف الاقليمية والدولية
في ادلب ، الى جانب تعقيداتها الجغرافية والديمغرافية والعسكرية ، وما يتوقع ان
ينتج عن شن عمليات عسكرية هناك من كارثة انسانية قد تحرج روسيا تحديدا ، وتجعلها
تدخل في متاهات وحسابات معقدة ، قد تأزم الموقف في تحقيق انفراجة سياسية في الملف
السوري ، احوج ما تكون له معظم الاطراف لالتقاط الانفاس ، والدفع بالملف السوري
نحو التسوية السياسية من خلال تمهيد الطريق لبدء جولة جديدة من مفاوضات جنيف
برعاية الامم المتحدة ، وفقا لقرار مجلس الامن ٢٢٥٤ ، بما يضمن صياغة اتفاق سياسي
بين اطراف النزاع ، يتضمن وضع دستور جديد واجراء انتخابات في سورية ، خاصة وان
مؤتمر سوتشي توافق على تشكيل لجنة دستورية لصياغة اصلاح دستوري من شأنه الاسهام في
تحقيق تسوية سياسية ترعاها الامم المتحدة وتكون مقدمة لاعادة الاعمار .