مع تعدد النقاشات والتحليلات التي
تتناول موقف الاردن من صفقة القرن وكيفية تعاطيه معها ومواجهتها ، كثيرا ما يستحضر
البعض الدور الاردني اقليميا ودوليا للحديث عن هذا الموقف وتقييمه وتسليط الضوء
عليه ، محاولا ربط هذا الدور بالتطورات والظروف التي عصفت بالمنطقة في السنوات
الاخيرة ، وتأثره بها سلبيا وبشكل ادى الى تراجعه كما يرى هذا البعض الذي يحاول
تقزيمه ايضا ، مستدلا على ذلك بالفتور الذي وسم علاقاته ببعض الدول العربية
وبالولايات المتحدة . وبافتراض صحة ما يقوله هذا البعض فانه لم يضعنا بصورة
العوامل والاسباب والظروف التي قادت الى هذا الفتور وهذا التراجع ، والمرتبط اساسا بعدم تخلي الاردن عن مبادئه
وثوابته المعلنة تجاه القضية الفلسطينية او المساومة عليها ، رغم كل الاغراءات
والضغوطات التي تعرض لها ، بشكل زاد من
تردي اوضاعه المالية والاقتصادية والاجتماعية . الامر الذي لم يتوقف عنده هذا
البعض عند تقييمه للدور الاردني والحكم عليه .. لا بل وتعدى ذلك مطالبا الاردن باتخاذ
ما اسماه بالاجراءات العملية لمواجهة صفقة القرن دون ان يوضح لنا طبيعة هذه
الاجراءات ، وما اذا كان الاردن يستطيع اتخاذها وتحمل تبعاتها ومخاطرها على مصالحه
امام هامش الحركة المحدد امامه ، وفي ظل
غياب موقف عربي موحد ، بعد ان اصبح وحيدا في الساحة العربية في حمل لواء الدفاع عن
القضية الفلسطينة والانتصار لها بكل ما اوتي من قوة في المحافل وامام المنابر
الدولية متسلحا بالمرجعيات والقرارات الدولية التي اكدت على حق الشعب الفلسطيني في
تقرير مصيره واقامة دولته المستقله على اساس حل الدولتين استنادا الى قرارات الشرعية
الدولية . وبالتالي ليس من الانصاف تحميل الاردن اكثر من طاقته في التعامل مع هذا
الملف الشائك وسط ظروف معقدة تبدلت فيها الاهتمامات والاولويات على اجندات بعض
الدول العربية المؤثرة عندما انشغلت او اشغلت في مشاكلها الداخلية والبينية حتى لم
يعد لها اهتماما بغير القضايا الخاصة بها .
واللافت ان هذا البعض وهو يحاول ان
يغمز من قناة الدور الاردني ، فانه لم
يضعنا بصورة المطلوب او البديل الذي يمكن للاردن اعتماده ليبقى محافظا على دوره
الذي افترض هذا البعض تراجعه ، بحيث يصبح المطلوب منه الذهاب بعيدا في تحديه لاطراف
اقليمية ودولية فاعلة ومؤثرة في الاحداث الجارية ، حد المخاطرة والمجازفة في
مصالحه وامنه ، والتنازل عن احدى اهم ادواته التي يعول عليها كثيرا في تعزيز حضوره
وتأثيره ومكانته في الساحة الدولية ، ممثلة بدبلوماسيته الناجحة التي يقودها جلالة
الملك عبد الله الثاني ، والتي مكنت الاردن من فتح العديد من قنوات التواصل
والاتصال بفواعل النظام الدولي انتصارا للجانب الفلسطيني وتأكيدا على حقوقه
المشروعة ، وهو يضع هذه الاطراف او الفواعل امام مسؤولياتها القانونية والاخلاقية
والسياسية بضرورة النهوض بدورها بتفعيل المرجعيات الدولية في هذا المجال ، وترجمة
قراراتها الى اجراءات على ارض الواقع .
ان هذا البعض وبدلا من الغمز على دور
الاردن ومحاولة الاساءة له بقصد او بغير قصد ، عليه ان يأخذ باعتباره وعند تقييمه
لمواقفه من الاحداث والقضايا المطروحة ،
التطورات والظروف والتحديات التي فرضت نفسها على المنطقة ، وشكلت ضغوطا على صانع
القرار الاردني . لا ان يطالبه ( بالانتحار السياسي ) عبر تجاوز حدود المنطق
والعقل وعدم مراعاة حدود امكاناته وطاقاته وقدراته . وضرورة ان يفرق بين الحسابات
الشعبية والحسابات الرسمية عبر اصراره على مطالبة الاردن بمواجهة التحديات المحيطة
منفردا ووحيدا، وبلغة لا تخلو احيانا من الاتهام والاساءة رغم مواقفه المشرفة التي سجلها وما زال يسجلها
عربيا واقليميا ودوليا، خاصة بالنسبة لملف القضية الفلسطينية الذي يحظى بالاولوية
على الاجندات الاردنية والملكية، بوصفه من الملفات الوطنية الاستراتيجية .
فمستقبل الاوطان ومصيرها وسياساتها
ومواقفها لا تتحدد في المحاضرات والندوات طالما ان مخرجاتها من الافكار والرؤى
والتوصيات تبقى في حدود الكلام النظري ، الذي لن تترتب عليه اثمان واكلاف ملموسة ،
كما لو انها صدرت عن مطبخ القرار الرسمي ، المطالب بمراعاة كل الاعتبارات
والاحتمالات والامكانات والنتائج التي قد تترتب على قراراته وسياساته على مصير
الوطن وامنه ومصالحه . دون ان نغفل امكانية استفادة مطبخ القرار من هذه الخلاصات
والمخرجات والنتائج التي تتوصل لها الندوات والمؤتمرات من افكار وطروحات ، طالما
كانت في حدود المنطق والمعقول .