حلمي الأسمر
ليس من عادتي أن أنشر رسائل التقريظ والمديح التي تأتيني، ردا على ما أنشره من آراء في مقالاتي هنا وهناك، ولكن ثمة رسائل تحمل أكثر من معنى، إضافة إلى ما فيها من استحسان ومديح، والأهم هنا تأكيد الاستخلاص الذي وصلتُ إليه في مقالين حملا عنوان «فضيلة الشيخ توني» ذلك أن كل السهام التي يطلقها كثير من كتابنا، هي سهام طائة، إما تتحاشى إصابة «كبد الحقيقة» أو أنها تتعمد الذهاب إلى أهداف ثانوية، من باب «التغميس خارج الصحن»!
وحتى لا يبقى كلامنا مبهما، دعونا نقرأ بعض ما تضمنته رسالة الأخ أحمد الرواشدة، تعقيبا على المقالين المشار إليهما، بعد إغفال المديح المباشر، وعبارات الترحيب..
«لك كل الشكر والتقدير والاحترام على ما يخطه قلمك الرائع من كتابات ومقالات تنير بها ظلمات الجهل، التفشي في زمن المعلوماتية، في زمن يحتاج فيه الانسان العاقل والواعي الى محاكمة كل ما تبثه الميديا من معلومات بمنطق الأخلاق والعقل والفضيلة، وإنها لمعركة صعبة ولكنها ليست مستحيلة على النخب المثقفة الملتزمة بقضايا أمتها وأنت منهم. أشكرك على كتبته في مقالين بعنوان (فضلية الشيخ توني) وقد أبنت فيهما حقيقة الحرب الدائرة في منطقتنا وعليها، وهي حرب ممتدة منذ الحملات الصليبية إلى الآن، وهي في حقيقتها ليست حربا على الإرهاب، كما يدعون، فها هي إسرائيل تمارس ارهابها منذ عقود، ولم يتحرك لهم ساكن، بل هي على الإسلام كما تفضلت، ومن أجل عيون الكيان الصهيوني المغتصب لأرضنا وللأسف انساقت دول عربية لها وانساق في اطارها كتاب لمحاربة الاسلام بدواعى الحداثة والتحديث، واود هنا ان اشير الى كتاب رائع انهيت قراءته للتو لكاتب فلسطيني مسيحي (اسمه وائل بهجت حلاق هو من أصول فلسطينية، مسيحي فلسطيني مقيم في كندا منذ سنوات عديدة ويدرّس بجامعة ماك غيل وهو أحد المتخصصين في دراسة الفقه الإسلامي وأصوله) عنوانه «الدولة المستحيلة الاسلام والسياسة ومأزق الحداثة» وخلاصته بان المجتمع الإسلامي المبني على حاكمية الله في التشريع والتزام الجميع حكام ومحكومين بهذه الحاكمية، هي أرقى وأفضل نظام اخلاقي عرفه التاريخ، وهي مستحيلة(!) لأن النظام العالمي الحالي يفتقد الى نظام اخلاقي وذو نزعة لادينية تتناقض مع القيم الاخلاقية العالية للإسلام ولذلك لن يسمح النظام الذي تسيطر عليه الرأسمالية المتوحشة بذلك، وهو يشير الى نقطة أرى انها مهمة وهي انه لا يوجد حاليا اي نموذج لأي مجتمع اسلامي صحيح اذ ان هذا المجتمع اختفى منذ الاستعمار الغربي للمنطقة العربية وان جميع الدول التي انشئت فيما بعد هي استمرار للرؤى الغربية الاستعمارية ولم تحاول بناء مجتمع اسلامي صحيح بل انها حاربته ومنعت اقامته، لك الشكر مرة اخرى ومزيد من العطاء لإنارة العقول والقلوب»..
انتهت الرسالة، وإن استثنينا ما جاء فيها من مديح قد لا أستحقه، إلا أنها تضع يدها على فكرة قد تبدو ساذجة لدى البعض، وحتى سطحية، لكنها لبساطتها المفرطة تجيب عن كثير من التساؤلات التي شغلت بال كبار المفكرين والكتاب، ومحورها هو سر تخلف أمتنا، وتقدم غيرها، كثيرون منشغلون بشتم العرب والمسلمين، وجلد الذات، والتأكيد على أننا أمة لا تصلح للحياة، وهؤلاء وأولئك يغفلون عن حجم التآمر الذي تعرضنا له منذ ما يزيد عن مائة عام، حين تفككت الدولة العثمانية، وهجم العالم الغربي لاقتسام أراضيها، وتركز العمل الممنهج على منطقتنا العربية تحديدا، حيث خضعت لعمليات تجهيل وتفتيت عميقة ولم تزل، وكلما رفع أحد المصلحين أو الزعماء رأسه واضعا يده على مكمن الداء، جرت عملية سحقه بمنتهى الوحشية، وقد وجد أعداؤنا فيما يسمونه «الإرهاب» نعمة لإدامة الحرب علينا، ووجدنا من بني جلدتنا من يناصرونهم ويضربون بسيوفهم، بعلم أو بجهل، ولو قيض لأحدنا أن يستبدل كلمة «الإرهاب» حيثما وجدت بكلمة «الإسلام» في قاموسهم، لعرفنا سر حماستهم في حربهم الضروس التي يخوضونها ضد هذه «النعمة»!
عن الدستور