لربما أن المخيف في الأحداث الدائرة على الساحة المحلية هذه الايام الوصول الى نقطة لا عودة آمنة بعدها، أن نتحول بوعينا المطلق و بإرادتنا الحقيقية الى أعداء للدولة " أعداء الداخل " ، و أن مشروعاتنا و طموحاتنا في أوضاع معيشية أفضل لمختلف القطاعات على حساب أمننا و استقرارنا، أن نقف بالمواجهة بين نحن و أنفسنا، فالحكومة و الجيش و المعلم و الطبيب كلنا واحد و كلنا الأردن التي نناضل من أجل بقائه معافى مما طال الكثير من الدول من ويلات الإنقسام و الفرقة في الجسد الواحد .
لا نختلف أن المطالب محقة و عادلة، و بحاجة الى قراءة متأنية من الحكومة التي سعت الى اعتبار الموضوع و تحويله الى معركة " كسر عظم " دون التعاطي في كيفية احتواء المطالب و عدم السماح لنفاذها لتتحول لعنة تجوب الشوارع و تغزو قناعاتنا بأنه قد بلغ السيل الزبى، فالأمور لا تؤتى بالعند و الإكراه، فكان لا بد من الموازنة بين حقهم في المطالب، و حقهم المشروع في التعبير وواقع الدولة الأقتصادي ضمن حوار وطني مسؤول، دون تراشق للقرارات العنجهية فحكومة تعلن برغبتها بإنهاء و تسريح المعلمين، و معلمين عازمين على الإستمرار، فكلاهما في الضلال شريك، و كلاهما على حق، و لكن الفجوة في وجهات النظر تتسع، و لا مساعي محقة للتقريب أو الحل، والضحية الاردن و الأردنيين، فالحكومة ماضية في عملها، و المعلمين تصرف لهم رواتبهم، و الطلبة نحو مزيد من التسرب و الهرب بقناعة من مصائب التعليم الحكومي، الى مصيدة التعليم الخاص و المصائب الأكبر .
قبل أن ننتقل الى ما هو أهم من ذلك من أخطار تحيط بدولتنا و تحاك سرا و علانية من الكيان الصهيوني بضم جزء من الأغوار و البحر الميت الى طموحاته التوسعية و مشروعاته الاستعمارية في المنطقة مستغلا بذلك إنشغالنا في ذاتنا و عدم البحث عن مصلحة الدولة، و إنفاذ التعهدات الإنتخابية أمر واقع، دون ان يعلو لنا صوت في المواجهة .
و في عودة الى أزمة التعليم و أزمة التواصل، فقد تبعها على التوالي أزمة للقطاع الصحي، و أمانة عمان و البلديات و غيرها من القطاعات التي تعاني الأمرين ضمن تغول الواقع المعيشي و تراجع مؤشر القدرة الأقتصادية، الدولة لن تترك الحبل على الغارب و لن تسعى لمزيد من التأزيم و التعقيد أكثر مما هي عليه الأن و لن تتورط بشكل أكبر في هدر الحقوق بتعليم أفضل للطلبة على اختلاف المراحل التعليمية .
و في المقابل لا نعتقد أن القطاعات الحكومية تعيش في واقع أفضل من القطاع الخاص، فالرواتب بالكاد تصل في أغلب مؤسسات هذا القطاع الى الحد الأدنى للأجور مصحوب ذلك بإستغلال وظيفي سافر و لكن بالرغم من هذه الممارسات مسكوت عنها و مقبولة لأننا نبحث عن لقمة عيش مستمرة، و لكن هنا تبقى مهددة بالمزاجية بعيدة كل البعد عن الإستقرار الوظيفي ليس في قطاع التعليم الخاص و حسب بل في الصحة و الشركات و الأعمال الحرة .
نحن لسنا بصدد عقد مقارنة لكن هذا الوقت حرج جدا و خطير ومن الضروري أن نستوعب أن وطننا مستهدف من الخارج، فالأعداء كثر، و علينا أن لا نتحول من الداخل الى اعداء و أدوات للضغط، فعلى جميع الأطراف أن تعود الى رشدها، الى جادة الصواب و أن تعود الى مواقع عملها و تنتدب عنها مفاوضين للخروج بأسلم الحلول، فالتعنت لعنة لا يحمد عقباها .
يبقى القول نحن الأردن كنا و سنبقى نهتف عاش الوطن، سالما منعما، و سنبقى أرواحا تفتديه ليبقى كما نعهد واحة من أمن و دولة مدنية لا تعترف الا بالقانون منهاج حياة و دستور للعمل و العطاء، و لا تقوم الا بالحوار المنطقي و ليس البيزنطي، و ا حدث و يحدث مجرد سحابة صيف عابرة، فالمعلم يؤمن بأن رسالته لابد أن يؤديها و سيبذل قصارى جهده لتعويض ما فات، و لا ضير له من تطوير الاداء و تحسين مستوى ما يقدم من محتوى لإعادة هيبة التعليم .
في قضايا القطاع الحكومي و المواجهة مع الحكومة، جميع الأطراف مدانة و متهمة بالتقصير، فجميعنا نشكو من تراجع حاد في مستوى التعليم، وان تغنينا بمعدلات الثانوية العامة فإن اغلب النتائج العليا للقطاع الخاص، و الحال نفسه لأداء القطاع الصحي كثيرا ما نسمع حالات اعتداء على الأطباء و التمريض و التكسير و التخريب فيها و لم نسمع أن حوادث مشابهة تكررت في القطاع الخاص .
ليس المدان هنا وحده العاملين في هذه القطاعات بل الحكومة التي تفتقد الى برامج تطوير و تدريب و تعزيز الأداء، الحكومة التي تقف بدور المراقب من تحت التكييف، و ننتظر جلالة الملك أن يتخفى ليفجعنا بالواقع و يكشف الكثير من التقصير,
و نكرر ما قاله جلالة الملك المرحلة تحتاج للعمل و تكاثف الجهود، ومن لا يرغب بالعمل يترك المجال للألاف ممن يعانون البطالة للعمل و ابراز قدراتهم .