د. حفظي اشتيه
هذه المقالة ليست مقامة
خرافية ، وليست من نسج خيال مجنّح، إنها تعرض حالة من صميم الواقع، وهي حالة خاصة،
لكنها عيّنة صادقة تمثل حالات شائعة شبيهة بها، وتفسّر وتبِين بعض أسباب العنف
المجتمعيّ الذي استشرى وعزّ علاجه.
أسرة مسالمة اشترت مزرعة وضعت فيها كل مدخرات
العمر، وكانت أرضاً قفراً، فتعاون أفرادها على تعميرها وزراعتها بالأشجار المثمرة
والورود، وبناء بيت ظنوا أنه سيكون لهم سكناً وأمناً.
أحد جيرانهم لم تعجبه الحال،لأنه كان يريد أن
تبقى المزرعة مرعى لأغنامه فوضع خطة لتنفيرهم من المكان والتعجيل بترحيلهم:
- جهّز حظيرة لقطيع الأغنام " حوالي 200
رأس" وجعلها قرب منزلهم، وأخذ يرعى الأغنام بجوارهم وعلى حدود محارم بيتهم،
وكان يطلقها أحياناً لترعى أشجارهم، وتؤذيهم كل أنواع الأذى، وحوّلت المكان كله
إلى مكرهة صحية لا تطاق.
- ألقى مئات من قلابات الأنقاض والطمم في أرض
يملك جزءاَ منها على الشيوع، شديدة الانحدار تقع فوق منزلهم ومزرعنهم، فعل ذلك تكسباً،
ونكاية بشركائه في الأرض، وإيذاءً لهذه الأسرة ، فاستمرت الصخور والحجارة تتساقط
على منزلهم ومزرعتهم وتدمر كل ما تقع عليه، وترهب أفراد الأسرة جميعا على مدى عدة
سنوات، وحوّلت جبلاً كاملاً كان مزيناً بأشجار حرجية تثير الإعجاب، إلى مكرهة
بيئية تثير الاكتئاب.
- ظلّ يعتدي على خطوط المياه الرئيسية والفرعية،
ويقطع المياه عمداً عن جيرانه، ويلوثها بأغنامه، وضُبط يفعل ذلك عشرات المرات، وحُررت
بحقه المخالفات، وتراكمت عليه مبالغ بلغت 5000 دينار، ووُضعت إشارة الحجز على
أرضه، لكنه لم يدفع ديناراً واحداً، ولم يتوقف عن المخالفات بعد أن فُصل اشتراكه
!!! .
- ظلّ يعتدي على شبكة الكهرباء، ويستجر التيار
لا ليضيء الضروري في بيته ليلاً، بل ليستعرض بإشعال عدة كشافات ضخمة ( لمبات جسور وشوارع عامة) تحوّل ليل هذه الأسرة
إلى نهار، ويكشف حرمات بيتهم باستمرار، وتبقى الكشافات مشعلة كل الليل، وفي كثير
من الأحيان طوال النهار، وحُررت بحقه عشرات المخالفات، وبلغت قيمتها حوالي 7000
دينار، لم يدفع منها أيضا ديناراً واحداً، ولم تقطع عنه شركة الكهرباء التيار ليلة
واحدة، لأنها مشغولة بقطع التيار عن كل مسكين تأخر عن دفع فاتورة ببضعة دنانير،
بينما تكتفي هيئة الطاقة بالإهابة بالمواطنين أن يبلّغوا عن السارقين أو المشبوهين
!!! .
- كانت هذه الأسرة تظن أن أدبها سياج لها، وأن
القانون سيحميها، فرفعت عشرات الاستدعاءات إلى الجهات ذات العلاقة : المحافظة
والبيئة والصحة والزراعة والأشغال والبلدية والمياه والكهرباء ....إلخ، وتوالت
اللجان التي تكشف وتناسلت، وتقاريرها وتوصياتها تسوّد الأوراق التي تضخمت وأصبحت
مجلدات. والنتيجة : لاشيء .
هذا التراخي في تنفيذ القانون أكسب هذا المعتدي
جرعة من الجرأة الزائفة والثقة الكاذبة بالنفس، فجمع أبناءه وأقاربه في 7/6/2017،
وهجم على أفراد الأسرة أمام منزلهم، وكان ذنبهم أنهم يحرقون أعشاباً جافة على سياج
بيتهم في مكانٍ بعيد عن بيت المعتدي، و لا علاقة له به، وأطلق عليهم عدة عيارات نارية متعمداً
القتل، أصابت إحداها أحد الأبناء وهو مهندس في مقتبل العمر، فتناثرت الشظايا في أنحاء
جسمه من رأسه إلى قدمه، وسببت له عاهة جزئية دائمة في يده.
ولم يكتفِ المعتدي بذلك بل تقدم بشكوى كيدية
ادعى فيها أن أفراد الأسرة لاحقوه وأطلقوا النار عليه، فتم التعميم عليهم ، وأصبح
الضحايا جناة مطاردين.
سلّم أفراد الأسرة أنفسهم للشرطة، وبدأت
معاناتهم وتوقيفهم والتحقيق معهم في المركز الأمني وعند المدعي العام، وبعد طول
عذاب ثبت أن الدعوى كيدية، وبقي المعتدي ينعم بالأمان لم يُسلّم نفسه ولا من هم
معه.
بعد عدة أشهر وبجهد شخصي من أفراد الأسرة وتعاون
من الشرطة، تم إلقاء القبض على المعتدي، لكن تم تكييف وصف فعله الجرمي بـإيذاء بسيط،
وأُطلق سراحه تحت تأثير الضغوط الاجتماعية.
بعد أكثر من سنة ونصف من المحاكمة تم إظهار
الحق، ورفع الوصف الجرمي إلى جناية إحداث عاهة جزئية دائمة، وصدر أمر جديد بتوقيف
المعتدي، وبعد عدة أشهر أخرى ، وبجهد شخصي أيضا وبتعاون من الشرطة، أُلقي القبض
على المعتدي، لكن المدعي العام أخلى سبيله دون كفالة بسبب الضغوط العشائرية،فخرج
ليقف كل يوم مقابل منزل أفراد الأسرة ويتحداهم ويستفزهم.
توجهت الأسرة إلى النائب العام الذي أدهشه هذا
الخلل، وأمر بتصويب الأمر على عجل، فأُصدرت مذكرة توقيف من جديد في شهر 4/2019 ،
لكن المعتدي ما زال فاراً، رافضاً تسليم نفسه، لأنه مشغول بإطلاق مبادرات اجتماعية
منها : مبادرة (أفراح بلا رصاص) !!! ، ومشغول بالتقرب المصطنع من بعض المسؤولين،
ويملأ وسائل التواصل الاجتماعي بأنه يحمل
لقب ( شريف) ، ويُنعم بهذا اللقب على أبنائه أيضاً، فسعادة الشريف الأب يهنئ سعادة
الشريف الابن، وهو يرفع الأعلام الوطنية على بيته، فتخفق فوق خطوط المياه وشبكات
الكهرباء المسروقة. وفي هذا الحال المائل يبدو أنه يحسن التصرف أكثر من حملة
الشهادات، فقد لبس عباءة، وأخذ يهدي لبعض المسؤولين العباءات، بينما أفراد الأسرة
ما زالوا يتحصنون بشهاداتهم العليا، ويلتزمون بالنظام والقانون، ويحلمون بالحل
العادل الذي لا يأتي في زمن الظلم هذا.
الخلاصة:
هل رأيتم كيف تنجح هذه الفئة المعتدية في تحويل
الناس المسالمين إلى أشرار وجناة ومجرمين ؟؟
هل يُقبل أو يُعقل أن يحدث هذا في بلد يُفترض
أنه دولة فيها مؤسسات وأنظمة وتعليمات ؟؟
إلى من تلجأ هذه الأسرة قبل أن تكفر بكل
القوانين، وتعلم علم اليقين أنها لن تصل إلى حقها إلا بأيديها ؟؟
-إلى كل مسؤول ما زال يدرك شرف المسؤولية، نرفع
هذه الحالة ، ونقصد المسؤولين فوق مستوى المحافظة ومديرياتها، فقد قال هؤلاء آخر
كلامهم، ويئست هذه الأسرة منهم.وما زال المعتدي يردد بصوت عالٍ:أنا فوق القانون.
نرفع الحالة إلى دائرة الأشراف في الديوان
الملكي، وإلى السادة الوزراء المعنيين، وإلى عطوفة مدير الأمن العام ، لأن المعتدي
يدّعي على مسمع الملأ، وفي مواقع التواصل، بل في بعض الفضائيات أنه على علاقة
مباشرة به !!.
ما زال عند هذه الأسرة بقايا أمل في إنفاذ
القوانين، وإنقاذ المظلومين .
ملاحظة : لدى كاتب هذه المقالة الأدلة الكافية
على صحة كل كلمة وردت فيها إن بقي هناك من يهمه الأمر .