بقلم: محمود صالح عودة
رحل الرئيس الشهيد محمد مرسي، الرئيس المصري
الأول والوحيد المنتخب ديمقراطيا بانتخابات شفافة ونزيهة عبرت عن إرادة الشعب
المصري.
رحل بعد سبع سنوات من فوزه بتلك الانتخابات، وبعد ست سنوات من انقلاب
دموي سبقه حراك شعبي مدبر من قبل الدولة العميقة كان هدفه الأساسي إنهاء التجربة
الديمقراطية، وتلته مجازر راح ضحيتها الآلاف من المتظاهرين الأبرياء، واعتقالات
لكل معارض قريب أو بعيد حتى ممن كان مواليا للسفاح المجرم عبد الفتاح السيسي.
لم يكن مرسي أول من توفي - أو قتل، للتدقيق - داخل سجون الانقلاب، بل
سبقه العشرات من المعتقلين ومنهم نواب في الحكومة المنتخبة، والشيخ المسن محمد
مهدي عاكف، مرشد جماعة الإخوان المسلمين السابق، نتيجة الإهمال الطبي المتعمد
والقتل البطيء.
صمت معظم قادة الدول صمتا مريبا، حتى أولئك الذين التقوا مرسي بعد
انتخابه. لكن ماذا نتوقع ممن صمت على الانقلاب عليه، الذي هو بجوهره انقلاب على
الديمقراطية ودولة القانون؟ ماذا نتوقع من قادة منافقين ينادون بالديمقراطية وحقوق
الإنسان ويجتمعون بطاغية جاء بانقلاب عسكري على جثث الآلاف من الأبرياء؟ ماذا
نتوقع من قادة "العالم الحر" الذين يبيعون الأسلحة لأوسخ الأنظمة
الديكتاتورية التي تستخدم سلاحهم بالقمع والحروب العبثية التي ترتكب فيها جرائم ضد
الإنسانية؟ لا تتوقعوا منهم عزاء، فليس من المستبعد أنهم احتفلوا مع سائر شركائهم
بقتل الرئيس مرسي، الذي سعى لاستقلال بلاده السياسي، العسكري، الطبي والغذائي.
هؤلاء لا يعنيهم من يسعى للاستقلال، فالمستقل يملك قراره بيده وليس من
الضروري أن يشتري أسلحتهم، حتى وإن دعموه اقتصاديا بأموال ضرائب شعوبهم بشرط أن
يشتري تلك الأسلحة من شركاتهم العملاقة.
هؤلاء يريدون عملاء، زبائن يضمنون مصالحهم وإن كانوا شر من في الأرض.
لا يريدون شعوبا مستقلة تملك قرارها بيدها. لا يريدون من يجرؤ على قول
"لا". يريدون بن سلمان، السيسي، بن زايد وحفتر ليفرغوا رصاص شركات دولهم
في صدور أبناء وبنات الأمة، ليلقوا بقنابلهم "الذكية" على شعوبنا
"المتخلفة".
الملفت للنظر في هؤلاء القادة الذين أصيبوا بالخرس بعد قتل مرسي، أنهم
ذات القادة الذين يصيحون ليل نهار ضد أردوغان، كاشف فضائحهم وزيفهم. أردوغان الذي
لم يأت إلا بانتخابات ديمقراطية نزيهة، الذي يخدم شعبه وحول بلاده من دولة هامشية
إلى إحدى أقوى 10 دول في العالم على عدة مستويات. بالديمقراطية، بالقانون، بدعم
شعبي، ليس على ظهر دبابة أو في داخلها، ليس هابطا في مظلة عسكرية ليركب على ثورة.
الصمت الدولي على قتل رئيس منتخب - رئيس كان معتقلا بدون تهمة حقيقية
واحدة، بلا محاكمة عادلة وشفافة وبدون أبسط الحقوق من زيارات وعلاج، رئيس تم
الانقلاب عليه عسكريا - لهو صمت ذو رسائل عدة لكل العرب:
أولا: لا اعتبار للقيم الديمقراطية، المبادئ الإنسانية ودور القانون
عندكم.
ثانيا: بإمكان المستبدين الإفلات من العقاب وإن أجرموا بحقكم وظلموكم.
ثالثا: سندعم الطغاة ونمكن لهم حكمهم طالما حافظوا على مصالحنا.
رابعا: سنطيح بأي حكم ديمقراطي إن عارض مصالحنا.
خامسا: حياتكم وحياة أبنائكم وبناتكم وقادتكم الذين انتخبتموهم لا
تعنينا.
ما يجب أن يستخلصه أي رئيس عربي قد يأتي بانتخابات حرة في المستقبل هو
التالي: لا تظن أن بلادك قد أصبحت قلعة للديمقراطية بمجرد انتخابك. لا بد من مرحلة
انتقالية قد تطول، يجب فيها ترسيخ الدولة الديمقراطية الحرة، دور القانون وحقوق
الإنسان ولو احتاج الأمر مواقف شديدة لن ترضي الجميع.
عزاؤنا في محمد مرسي أنه ذهب ليلقى ربا غفورا رحيما، قادرا قديرا. ذهب
من جور الدنيا إلى عدل الآخرة. فله الرحمة ولجميع الأحرار الذين قضوا في سبيل قضاياهم
العادلة، وفك الله أسر معتقلي الرأي والموقف، وحرر هذه الأمة ووفقها لما يحب ويرضى.
إذا الشعب يوما أراد الحياة - فلا بد أن يستجيب القدر
ولا بد لليل أن ينجلي - ولا بد للقيد أن ينكسر
[email protected]