بقلم: محمود صالح عودة
لم تأت السياسة الخارجية الحالية للإدارة الأمريكية بأي جديد، لكنها أكثر وضوحًا منذ دخول ترمب البيت الأبيض قبل عامين.
الرئيس الأمريكي معروف بتصريحاته الفظيعة ليس تجاه الأقليات فحسب بل تجاه كل من يخالفه، ينتقده أو يرى غير ما يرى.
يلفت الأنظار في الآونة الأخيرة دفاعه اللا-محدود عن ولي العهد السعودي بعد اغتيال الصحفي جمال خاشقجي بطريقة وحشية، وهو الكاتب المقرب من النظام سابقًا والذي كان يقيم في أمريكا منذ 2017 تاركًا السعودية بعد حملات الترهيب والاعتقالات التي قام بها ولي العهد السعودي. كما كان كاتبًا في صحيفة واشنطن بوست المعروفة، التي يكرهها ترمب ويصرح ضدها وضد مؤسسها جف بيزوس، مؤسس شركة أمازون وأغنى رجل في العالم حسب مجلة فوربز
.
الأتراك أثبتوا ووزعوا المعلومات، وجهاز الاستخبارات السي آي إيه خلص أن محمد بن سلمان هو المسؤول المباشر عن مقتل الصحفي من خلال معلومات وتحليلات جمعها وقدمها لمسؤولين في الإدارة من الحكومة والمعارضة. لكن ترمب أصر ولا يزال أنهم لم يتوصلوا لهذه النتيجة، مما اضطر بعض أعضاء حزبة وغيرهم من الديمقراطيين باتهامه بالكذب علنًا.
رافقت تصريحات ترمب المتتالية هبوطًا في أسعار النفط، وهو أمر قد طالب السعوديين بالقيام به منذ توليه الرئاسة وقد شكرهم على ذلك وطالب بالمزيد من التخفيضات. صرح مرات عديدة أن وجود النظام السعودي ضروريًا لضمان مصالح أمريكا، إسرائيل وحلفاؤهم في المنطقة ولقد بذل رئيس الوزراء الإسرائيلي جهدًا للدفاع عن ولي العهد كذلك.
تاريخ الولايات المتحدة مليء بتخطيط ودعم انقلابات عسكرية بمشاركة فعلية حول العالم منذ القرن التاسع عشر وحتى يومنا هذا، إلى جانب الحفاظ على أنظمة استبدادية لا تبالي بحقوق الإنسان أو أي من القيم التي تتظاهر الإدارة الأمريكية بدعمها. كل ذلك تم تحت حكم الجمهوريين تارة والديمقراطيين تارة أخرى، بشرط أن تخدم هذه الأنظمة مصالح الولايات المتحدة ولا "تتعدى حدودها".
هناك نسبة غير قليلة من الدول، المنظمات ووسائل الإعلام التي غيرت موقفها من ولي العهد بعد الحادثة، لكن معظم تصريحاتهم محدودة. ولماذا الآن فقط؟ هل كان النظام السعودي في أي لحظة نظامًا ديمقراطيًا تحترم فيه حقوق الإنسان والحريات والقانون؟
محمد بن سلمان جيء به من خلال مخطط لتوريثه الحكم على مدى طويل بحيث لا تكون هناك تغييرات جذرية تؤثر على مصالح أمريكا وإسرائيل - علنًا هذه المرة - في المنطقة وفرض الهيمنة التامة على الشرق الأوسط. لقد تم تسويقه للعالم من خلال حكومات ووسائل إعلام تركز على إصلاحاته المبرمجة مسبقًا لإظهاره كإصلاحي حداثي مع كونه العكس تمامًا. وبالرغم من كون بعض التغييرات التي جرت تحت حكمه جيدة ومرغوبة - إضافة إلى كونها سريالية في ذات الوقت، حيث كان لكل امرأة في العالم حق قيادة السيارة مثلاً إلا في السعودية – إلا أنها جاءت متزامنة مع حملات اعتقالات، تكميم أفواه واغتيالات تليق بالعصور الوسطى وليس بالقرن الحادي والعشرين.
لكن الظاهر أن بعضنا يعيش بعقلية عالم الغاب أو ما قبل البشرية، والمصيبة تقع حين يكون صاحب تلك العقلية حاكم دولة، والطامّة أن كبرى دول العالم "الأول" تدعمه، تدافع عنه وترعاه.
إلى متى هذا النفاق؟