بقلم: د. هايل ودعان الدعجة
رغم ان التعامل مع ما يسمى بصفقة القرن
ما زال في حدود التسريبات الاعلامية، فان الاردن الذي هو على تماس مباشر مع
مخرجاتها، لن يترك لعامل الوقت او لعنصر المفاجأة ان يباغته او يغافله ويضعه امام
الحقيقة المرة في مواجهة مع تداعيات هذه الصفقة المتوقع ان تضعه في موقف لا يحسد
عليه . خاصة وان الاردن الرسمي أعلن في أكثر من مناسبة، بانه ليس في صورة تفاصيلها
وحيثياتها، ولا يعرف عنها شيئا . الامر الذي دفعه للتعامل مع هذه التسريبات كحقائق
واحتمالات قائمة وممكنة في ظل ما يشاهده من تطبيقات على الارض ( تنفيذا ) لخطة
السلام الاميركية المنحازة كليا الى الجانب الاسرائيلي من حيث اعتراف الادارة
الاميركية بالقدس عاصمة للكيان الاسرائيلي ونقل سفارة بلادها اليها، اضافة الى الاعتراف
بالسيادة الاسرائيلية على الجولان، ومحاولة اسقاط ملف اللاجئين وحق العودة من خلال
العمل على تصفية الاونروا وقطع المساهمات المالية الاميركية عنها، واعادة تعريف من
هو اللاجئ، بحيث يقتصر على الفلسطينيين الذين غادروا فلسطين عام ١٩٤٨ دون ان يشمل
ذلك الابناء والاحفاد، وذلك تمهيدا لتصفية ملف القضية الفلسطينية . الامر الذي جعل
الاردن يضع تصورا سلبيا ومتشائما للسيناريوهات والاحتمالات التي يمكن ان تكون
عليها الصفقة، بطريقة بررت رد فعله القوي والصلب الرافض رفضا مطلقا لكل ما تنطوي
عليه من قرارات ومخرجات، تماهيا مع موقفه الثابت من القضية الفلسطينية والقدس،
المستند الى قرارات الشرعية الدولية، التي لا تعترف بالسيادة الاسرائيلية على
الاراضي الفلسطينية المحتلة عام ١٩٦٧ بما فيها القدس، حيث يطالب الاردن بضرورة
اقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس، وفقا لحل
الدولتين واستنادا الى المرجعيات الدولية ومبادرة السلام العربية، مع تأكيده على
الوصايا الهاشمية على المقدسات الاسلامية والمسيحية في المدينة المقدسة، انسجاما
مع الدور الهاشمي الديني والتاريخي تجاه هذه المقدسات . وهو ما ترافق مع المسيرات
الشعبية التعبيرية والتضامنية التي شهدتها مختلف محافظات المملكة ومناطقها دعما
وتأييدا ومساندة والتفافا حول القيادة الهاشمية في هذه المرحلة الدقيقة والحساسة
في اشارة الى الترابط والتلاحم القوي ما بين القيادة والشعب حول الملف الوطني
والقومي والعروبي ممثلا بملف القضية الفلسطينية، وهي الاجواء التعبيرية التي امكن
من خلالها ارسال الاشارات والرسائل الاردنية التضامنية مع هذا الملف الحيوي
والاستراتيجي الى كل من يهمه الامر في الادارة الاميركية على وجه الخصوص، بان لا
تنازل اردنيا عن هذا الموقف الوطني والقومي والتاريخي المشرف تحت اي ظرف ومهما
بلغت الضغوطات . وما اللاءات الثلاثة التي اطلقها جلالة الملك .. لا لتصفية موضوع
القدس باعتبارها خطا احمر، ولا للتوطين
ولا للوطن البديل، الا الرد االملكي البليغ على كل الضغوطات والمحاولات
الرامية الى تجاوز حقوق الشعب الفلسطيني في اقامة دولته وتقرير مصيره . حيث نجحت
الدبلوماسية الأردنية في بلورة مواقف سياسية عربية وإسلامية وإقليمية ودولية
مساندة ومناصرة للجانب الفلسطيني وحقوقه العادلة، معبرا عنها في تضمين البيانات
الصادرة عن الفعاليات والاجتماعات التي تنظمها هذه الأطراف إلى ما يشير إلى إقامة
الدولة الفلسطينية وفقا لقرارات الشرعية الدولية، والتأكيد على الوصايا الهاشمية
على المقدسات في المدينة المقدسة . مما يجعلنا لا نستبعد وجود علاقة بين التريث
الأمريكي في الاعلان عن الصفقة، وبين الرسائل الأردنية التي جسدها الموقف الأردني
الثابت ملكا وشعبا وحكومة وبرلمانا، بصورة قد تدفع الإدارة الأميركية إلى إعادة
حساباتها في التعاطي مع خطتها للسلام على شكل إجراء تعديلات وتحسينات، تأخذ باعتبارها المصالح والحقوق
الفلسطينية والاردنية والعربية والإسلامية، وإلا سيكون مصير خطتها الفشل المدوي .
وربما من هنا علينا أن نقرأ ونفهم التطور الذي طرأ في الموقف الأميركي حيال صفقة
القرن عندما ذكر جيسون جرينبلات مبعوث الرئيس الأميركي دونالد ترامب للسلام في
الشرق الأوسط، بأن ما تضمنته الاشاعات بأن يصبح الأردن وطنا بديلا غير صحيحة، وأن خطة السلام الأميركية لن تتضمن
كونفدرالية بين الأردن وفلسطين وإسرائيل .
ومن هنا أيضا علينا أن ننظر ونحلل
القلق الاميركي من الموقف الأردني الرافض لصفقة القرن، والخشية من أن يؤدي هذا
الموقف الداعم للحقوق الفلسطينية إلى إحباط خطة السلام الأميركية وعرقلة تنفيذها
. مما يؤشر ربما إلى أن الرسالة الأردنية
التي تعكس الموقف الأردني من صفقة القرن، قد وصلت الإدارة الأميركية .