بقلم: د. هايل ودعان الدعجة
كنت قد كتبت قبل ايام على بعض منصات
التواصل الاجتماعي متسائلا .. عن الجهة او الجهات الاردنية الرسمية المطالبة
بالتقاط الرسائل الملكية ، وما تنطوي عليه من افكار ورؤى عميقة وواضحة حيال
القضايا والملفات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والادارية الوطنية وغيرها ،
وترجمتها على ارض الواقع الى تشريعات وسياسات وقرارات ، وذلك عندما كان يلتقي
جلالته - كما جرت العادة - بالفعاليات السياسية والبرلمانية والاعلامية والمجتمعية
المختلفة . واذا ما اضفنا الى ذلك التعاطي الرسمي والشعبي السلبي مع الاوراق
النقاشية الملكية ايضا ، والتي تمثل بوصلة وطنية لمشروع الاصلاح الاردني ، فاننا
سنكون امام معضلة حقيقية ، مجسدة في عدم التعاطي الجدي والمسؤول مع الرسائل
والتوجيهات الملكية ، والاكتفاء بالتعليقات والخطب وردود الفعل النظرية والانشائية
الصادرة عن الجهات الرسمية ذات الصلة تحديدا ، عبر وسائل الاعلام المختلفة ،
وبصورة تبعث على الاستياء . فقد عبر جلالة الملك خلال لقائه احدى الفعاليات
النيابية اواخر العام الماضي عن اسفه وعدم رضاه بسبب تقصير وعدم تعاطي الوزارات
والمؤسسات ومختلف القطاعات المجتمعية في المملكة مع الاوراق النقاشية كما يجب ،
وعدم أخذها بعين الاهتمام ، حيث لم تطبقها على ارض الواقع من خلال العمل وليس
القول فقط ، وذلك عندما اراد جلالته اشراك هذه الجهات في انضاج رؤيته الاستشرافية
المستقبلية هذه . كذلك فقد اكد رئيس مجلس الاعيان فيصل الفايز في احدى المناسبات
على ان التفاعل المجتمعي مع الاوراق النقاشية لم يكن بالمستوى المطلوب ، رغم ورش
العمل والندوات والتحليلات التي تناولتها ، حيث كان الجهد مبعثرا وغير منتج .
مشيرا الى التقرير المفصل الذي اعده مجلس الاعيان ، ويعكس رؤيته لهذه الاوراق
وآليات تطبيقها على ارض الواقع ، وما تحتاجه من اجراءات حكومية وتشريعات قانونية ،
والذي سيتم رفعه الى جلالة الملك بأقرب فرصة . والحال ينطبق ايضا على الخطط
والبرامج والاستراتيجيات الحكومية المختلفة ، التي غالبا ما يتم وضعها
وطرحها بناء على التوجيهات الملكية ، التي طالما أكدت على ضرورة ربطها بجداول
وبفترات زمنية محددة ، وبمؤشرات قياس ، بهدف الحكم على الاداء الحكومي وتقييمه .
واللافت في امر هذه البرامج والاستراتيجيات ، افتقارها الى الديمومة والاستمرارية
على الاجندات الحكومية ، بطريقة تجعلنا نشعر انها مرهونة او مطلوبة او من مسؤولية
الحكومة التي تبنتها فقط ، حتى اذا ما استقالت وتشكلت حكومة جديدة ، دخلت طي
النسيان والتجاهل ، وباتت جزءا من الماضي ، ليبدأ الاعلان عن خطة او استراتيجية
جديدة .. وهكذا . مما يفقد هذه المشاريع الوطنية التي بذلت في سبيلها جهود كبيرة
ومميزة ، قيمتها وأهميتها وتحقيقها للاهداف والغايات التي وضعت من اجلها ، بسبب
غياب المتابعة والتواصل ، وعدم تجذير مفهومي التراكمية والتشبيك في الاداء العام .
حتى اصبحت كل حكومة اردنية اشبه ما تكون بجزيرة مغلقة او معزولة او مستقلة ،
مرتبطة بشخص رئيسها وفريقه الوزاري فقط ، دون تواصل او متابعة من قبل الحكومات
الاخرى . الامر الذي يترتب عليه اضاعة الكثير من الجهود والاكلاف المادية والبشرية
، التي بذلت وانفقت على هذه البرامج والاستراتيجيات ، التي لم نعتد في الغالب على
معرفة ومتابعة نشاطات اللجان القائمة عليها وانجازاتها - إن وجدت - الا اذا
التقاها جلالة الملك للوقوف على سير اعمالها ونشاطاتها . مما يجعلنا نتساءل عن
مصير الكثير من الخطط والاستراتيجيات التي تم طرحها واعلانها في مناسبات وفترات
مختلفة ، ، كالبرامج التنفيذية والتنموية التي طرحت منذ عام ٢٠٠٧ ، وبرنامج
عمل الحكومة ٢٠١٣ -٢٠١٦ ، والاستراتيجية الوطنية للطاقة ، ووثيقة رؤية الاردن ٢٠٢٥
، وخطة تحفيز النمو الاقتصادي وغيرها ، في الوقت الذي سوف نتساءل فيه مستقبلا ،
وكما هو متوقع ، عن مصير دولة الانتاج ودولة التكافل ودولة الانسان التي اعلنتها
وتبنتها الحكومة الحالية . مما يؤكد على ان مشكلتنا الكبرى تكمن في الفجوة الكبيرة
التي تفصل بين ما يفكر به جلالة الملك ، وبين ما تفكر به الحكومات الاردنية
المتعاقبة ، التي واصلت ، وحسب ما جاء بتقرير حالة البلاد الصادر عن المجلس
الاقتصادي والاجتماعي قبل فترة ، السير على نفس النهج الاقتصادي والاجتماعي
والاداري والسياسي ، وذلك رغم التراجع والضعف في اداء مؤسسات الدولة .
الى جانب ما تضمنه التقرير من اشارات الى الاستراتيجيات والخطط الحكومية المعلنة ،
حيث أكد على عدم اقترانها وربطها بخطط تنفيذية وبجداول زمنية ايضا ، فأصبحت معظمها
حبرا على ورق وحبيسة الادراج ، اضافة الى وجود خلل في التنسيق والتشبيك بين الجهات
المعنية بتنفيذها واللجان المشتركة ذات الصلة ، وعدم توافقها على اهداف محددة
قابلة للتنفيذ .
مما يجعلنا نطالب بتشكيل مرجعية رسمية
في الديوان الملكي تكون مهمتها متابعة تنفيذ هذه الخطط والاستراتيجيات ، طالما
انها ادرجت ووضعت في اطار التوجيهات الملكية ، لضمان ديمومتها واستمراريتها على
اجندات الحكومات المتعاقبة الى ان تحقق الاهداف والغايات التي وجدت من اجلها . دون
ان نغفل دور مجلس النواب من خلال اللجان النيابية المختلفة ، وحسب اختصاص كل لجنة
، في رقابة هذه المشاريع الوطنية ومتابعتها ومساءلة القائمين عليها اذا ما حصل
هناك اي قصور ، وذلك تفعيلا لدور المجلس الرقابي ووسائله الرقابية الدستورية من
اسئلة واستجوابات وطلبات مناقشة ومذكرات نيابية المختلفة ، لضمان تنفيذ هذه
المشاريع وتحقيقها لاهدافها .