الحمد لله الذي جعل خلق الإنسان آية من الآيات الدالة على عظمته، فقال عز من قائل (هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخا ومنكم من يتوفى من قبل ولتبلغوا أجلا مسمى ولعلكم تعقلون) وصدق صلى الله عليه وسلم عندما قال : ما من مسلم يشيب شيبة في الإسلام إلا كتب له بها حسنة ورفعه بها درجة أو حط عنه بها خطيئة ) إن الإنسان يتقلب في نعم الله عز وجل في مراحل عمره المتعددة من مرحلة الطفولة إلى الشباب وصولا إلى الكهولة والشيخوخة، فطول العمر في طاعة الله تعالى ميدان واسع لزيادة القرب منه عز وجل، وذلك بفعل الخيرات والطاعات، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليس أحد أفضل عند الله من مؤمن يعمر في الإسلام لتسبيحه وتكبيره وتهليله.
فهنيئا لكبارنا بهذه المنزلة الرفيعة والأجور العظيمة التي ينالونها بطول العمر وحسن العمل، عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أنبئكم بخياركم؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال: خياركم أطولكم أعمارا وأحسنكم أعمالا .
لقد غرس الإسلام فينا قيما حضارية للتعامل مع المسنين، فعلمنا الإحسان إليهم وفاء لهم على ما قدموا من أعمال وإنجازات، فالماضي الذي نعتز به، والحاضر الذي ننعم به هم من صناعه ورواده، فعلينا أن نحسن إليهم كما أحسنوا إلينا، وقد أمرنا ديننا أن نعاملهم بالتوقير والرحمة لكبر سنهم، حتى أن الإمام في صلاة الجماعة قد أمر أن يخفف مراعاة لهم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:إذا صلى أحدكم للناس فليخفف، فإن منهم الضعيف والسقيم والكبير.
وهذا جزء من الإحسان إليهم، وإن هذا الإحسان ليتأكد أكثر في حق الوالدين، قال تعالى( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما* واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا ).
فالمسلم يحسن معاملة والديه وخاصة عند الكبر، لأنهما في حالة ضعف وعجز، ويتذكر أنهما عنده في آخر العمر كما كان عندهما عاجزا في أول العمر؛ فلا يقل لهما ما يكون فيه أدنى تضجر، وعليه أن يحسن إليهما بفعله وقوله الكريم ويتواضع لهما، ويدعو لهما بخيري الدنيا والآخرة، فإنه إن فعل ذلك فقد نال الأجر العظيم عند الله تعالى، فهنيئا لمن أكرمه الله تعالى بكبر والديه أو أحدهما عنده، وقام بواجب البر والإحسان إليهما، وخفض لهما جناح الذل من الرحمة، ليجزيه الله سبحانه برا من أبنائه في الدنيا، وفي الحديث النبوي الشريف:« بروا آباءكم تبركم أبناؤكم» ويكرمه في الآخرة في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
ولقد نال أويس بن عامر القرني منزلة عظيمة ببركة بره بأمه الكبيرة ورعايته لها، ولما لقيه سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:« يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن، كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم، له والدة هو بها بر لو أقسم على الله لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل». فقال له سيدنا عمر رضي الله عنه: استغفر لي. فاستغفر له.
اللهم اجعلنا بارين بآبائنا، موقرين لكبارنا، مؤدين لحقوقهم، قائمين على خدمتهم ورعايتهم، وارزقنا طاعتهم فيما يرضيك عنا، ووفقنا لطاعتك وطاعة من أمرتنا بطاعته, عملا بقولك ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم).
اعلموا أن من واجبنا أن نغرس في أجيالنا توقير كبار السن، وحسن استقبالهم إذا حضروا، وتصديرهم في المجالس إذا دخلوا، والإنصات إلى حديثهم إذا تكلموا، قال سمرة بن جندب رضي الله عنه: لقد كنت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم غلاما فكنت أحفظ عنه فما يمنعني من القول إلا أن ها هنا رجالا هم أسن مني.
وعلينا أن نغرس في أبنائنا إظهار الفرح بإنجازات كبار السن إذا عملوا، والصبر على تصرفاتهم إذا غضبوا، والعناية بغذائهم إذا جاعوا، والقيام بخدمتهم إذا احتاجوا، والسهر على راحتهم إذا مرضوا، وتفقد شؤونهم قبل أن يطلبوا، والإنفاق عليهم إذا افتقروا فهنيا لمن بروا والديهم في حياتهم ومماتهم .