بقلم: د. حفظي حافظ اشتيه
منذ الأمر الملكي السامي الموجه إلى الحكومة بالإسراع في إصدار قانون العفو العام بادرت الحكومة إلى إصدار القانون المذكور ،وكانت قد استعدت لذلك خلال عدّة شهور مضت ،وشكلت للأمر ما يستحقه من لجان فنية متخصصة مهنية وذات خبرة، والتزمت بتوجيهات جلالة الملك أن يراعي القانون مبدأ التخفيف على الناس ، مع الحرص على الحفاظ على الحقوق الشخصية للمتضررين.
وبعد تأنٍّ وطول انتظار صدر القرار، وتجلّى فيه - كما أرى ويرى كثيرون معي- نظرة متوازنة بين مراعاة آمال الجاني ، وآلام الضحية ،فقد شمل العفو طائفة واسعة من القضايا ،واستثنى بعض القضايا التي تمسّ الأمن العام ، والمجتمع ، والتي يشكل شمولها بالعفو ثغرات خطيرة جداً على كيان الدولة والأمن المجتمعي ،وفي بعض القضايا الأخرى اشترط إسقاط الحق الشخصي من قبل المجني عليه لشمولها في العفو .
انبرى عدد من السادة النواب ، وبعض الكتاب ، وتعرّضوا للقانون بالنقد الشديد وحشدوا لذلك العديد من البنود، وطالبوا بتوسعة مظلته ،وهدّد بعضهم بأنّ القانون لن يمرّ إلّا على جثته.
وهنا يجب علينا أن نوضح أمرين:
الأول : أن الشكر واجب لكل نائب أو كاتب يهتم بشؤون المواطنين ويسعى للتخفيف عنهم .
والثاني : أننا ملزمون بافتراض حسن النية عندهم ، وأن هدفهم ينصب على المصلحة العامة مترفعين عن اصطياد الشعبية ، أو الانتصار لفئة معينة وخدمة أهداف شخصية .
لذلك، نجد أنه لا خلاف مع هؤلاء السادة النواب والكتّاب من حيث المبدأ ، وهو مصلحة الدولة والوطن ، والمواطنين والالتزام بتوجيهات جلالة الملك .
لكن الحلاف هو في فهم حدود هذا المبدأ ، وفي الاستيعاب الدقيق لتوجيهات جلالة الملك ،ويكفي أن نعرض مثالاً يوضح الاتفاق في المبدأ والاختلاف في التطبيق :
يطالب أحد السادة النواب، وهو ممّن نجلّ ونحترم، يطالب بأن يشمل العفو العام- دون إسقاط الحق الشخصي- بعض المواد ذات الصفة الجزائية الجنائية : مثل المادة 335 .
نظر النائب المحترم إلى مصلحة الجاني ، وأغفل النظر إلى مصيبة المجني عليه ، فالذي اعتدى ، وأطلق النار وسبب للضحية عاهة جزئية دائمة (المادة 335) ، ولم يسعَ جاداً في طلب الصلح ، ولم يدفع تكاليف العلاج الباهظة ، كيف يتم طلب العفو عنه دون إسقاط الحقّ الشخصي من المعتدى عليه ؟
وما هي الحقوق المادية التي يمكن أن يحصل عليها هذا المجني عليه برفع قضايا جديدة ، وتحت عذابات الانتظار القاتل ، والمماطلات المنتظرة من قبل المعتدي ، وتقسيط المبلغ - كما هو متوقع –على مدى سنوات وسنوات ؟؟؟؟
ألسنا نكون بذلك قد أكرمنا المعتدي ، وحطّمنا المعتدى عليه ؟؟؟
هل يخطر في بال أيّ عاقل أن يكون هذا هو المراد من توجيهات جلالة الملك ؟ وهل ينسجم هذا مع أدنى أبجديات دولة القانون ؟ وأساسيات السّلم والأمن المجتمعي ؟
ماذا ننتظر من الضحية عندما يفقد الأمل في تحصيل حقه بالقانون ، ويجد ظهره إلى الحائط يحاصره اليأس والإحباط ؟
أيّها النواب المحترمون والكتّاب المرموقون :
يقول الله تعالى وهو العادل الرحيم : ( ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب )
الثواب والعقاب كفتا ميزان العدالة منذ نشأة الحلق، أرجوكم انصروا المظلوم أولاً بمساعدته للحصول على حقه الجزائي قبل المادي ، وانصروا الظالم بكفّ يده عن الظلم ، وردع أمثاله بالقانون إن أردتم مصلحة الوطن والمواطنين .
وكما اعترف أحد النواب الكرام بخطئه بأنه تعجّل في الاجتهاد عندما طالب بشمول هتك العرض في العفو العام ، فأصدر بياناً للناس يتراجع فيه عن مطالبته تلك بعد استشارته لأهل العلم والاختصاص ، واكتفى من اجتهاده بأجر واحد ، كما قال أرجو أن يتكرم بالعودة إلى المختصين أيضاً للتراجع عن مطالبه في قضايا أخرى مثل المادة 335 ، وأن يتروى قبل الاجتهاد .
لا ينحصر ضررها في مجرد الظفر بأجر واحد بدل أجرين ، وإنما قد يكون هذا الاجتهاد سبباً في تدمير حياة فئة وقع عليها الاعتداء والظلم وجرْدها من وسيلة الحماية والانتصاف عبر القانون ، فخسرت حقها ، وعاشت مع عاهتها الدائمة طوال عمرها ، ولجأت إلى أخذ حقها بيدها ، فانحرفت وانزلقت نحو الإجرام فهل هذه حقاً هي الغاية المنشودة من العفو العام ؟؟؟؟؟