بقلم: المستشار محمد الملكاوي
لقد تاهت يا سمو الشيخ صُباح و يا
"أمير الإنسانية" بوصلة العرب والمُسلمين في هذا الزمن حالك الظُلمة؛ ما
بين (خريف) عربي تدميري أسموه مجازاً (ربيعاً)؛ وحمامات دمّ حصدت في سنواتٍ قليلة
ماضية أكثر مما حصدته كل حروب العرب والمُسلمين منذ حِلف (الفضول) قبل (1500) سنة
وحتى قرن الدم والدمار والموت الحادي والعشرين؛ ولم تعد بكل أسف (بلاد العُرب
أوطاني) كما قال لسان ذاك الشاعر العروبي "فخري البارودي"؛ فأصبح كثير
من المُسلمين والعرب يقتلون بعضهم البعض بوحشية وإرهابية وتكفيرية وإقليمية
وطائفية ومناطقية وجغرافية؛ والقاتل والمقتول في الأوطان العربية الجريحة يصرخون
ويهتفون: (الله أكبر).
لم تعد لنا يا سمو الأمير (حدود) لأن
مخيّمات اللاجئين العرب والمُسلمين انتشرت في كلّ بقاع العالم؛ فأصبح يحدّ عروبتنا
القُطبين من الشمال والجنوب والدم والموت شرقاً وغرباً؛ ولم يعد لنا (تاريخ) نرجع
إليه على (الجغرافيا)؛ فسدّ (مأرب) في اليمن تحوّل إلى بحر من الدم الآسن؛ فالعراق
جريح ولم يعد منارات علم تضيئ العالم؛ وتاريخ (دمشق) الذي يصل إلى (11) ألف عامٍ
يئنّ من ألم الموت والدم والإرهاب؛ وحتى ليبيا التي كانت رابع أكبر دولة في
أفريقيا مساحة؛ غدت أصغر من مساحة (محمية) إفريقية للغزلان؛ بعد أن تقاسمها رصاص
المجموعات المُسلّحة؛ وكلّها تقول أنها صاحبة الولاية والشرعية.
وها هي كثير من دول العروبة الأخرى
تُهدد أمنها وسلامها أيدي الإرهاب والإرهابيين والمُتطرّفين والحاقدين والناقمين
والطامعين؛ وأصبحنا نتحسّر على أيام (حُسن الجوار) الخوالي فيما بيننا؛ والتي
طالما تغنّينا بها على مقاعد الدراسة المدرسية والجامعية وفي لقاءاتنا واجتماعاتنا
العربية على مختلف المستويات.
إننا في سفينة مهترئة في بحر لُجيّ وفي
ظلام ليلٍ حالك السواد؛ لهذا ترنو أنظارنا بأمل ورجاء نحوكم يا صاحب السمو؛ في
(الكويت) الدولة والعاصمة والبوصلة وبيت الحكمة والشعب الذي يمتد بجذوره العريقة
إلى ما قبل ميلاد السيّد المسيح عليه السلام عندما كانت (الصليبخات وبُرقان وجزيرة
فيلكا) شواهد على حضارات عريقة عرفت قيّمة الكويت إنساناً وتاريخياً وجغرافياً؛ وامتد
هذا الإرث التاريخي في العهد الإسلامي فكانت معركة (ذات السلاسل) شقيقة لمعارك
(مؤتة واليرموك والقادسية) في عهد الفتوحات الإسلامية لإرساء العدل والسلام
والإيمان؛ حتى وصلنا إلى يومنا هذا الذي نرى فيه عروبة الكويت مُتجذّرة في حاضر
ومُستقبل الأمة العربية والإسلامية والإنسانية.
إن قلوبنا وأفئدتنا وأرواحنا وعروبتنا وإسلامنا وجيرتنا كلّها تتجه نحوك
أيها (الصُباح) لتطلق لنا أمل (الصَباح) في أعماقنا؛ حتى يهدأ شراع سفينتنا الذي
فقد ساريته في عِراك الأخوة والجيران في هذه المنطقة.
إننا ننتظر منكم يا صاحب السمو الجليل
إطلاق مبادرة (حلف الفضول العربي) من على أرض الكويت حتى يعمّ الأمن والسلام في
أصل عروبتنا وبُلداننا وقلوبنا وأبدانِنا؛ حتى يتوقف ظُلم العرب بأيدي العرب؛
ويتوقف شلال الدم العربي الذي يُراق يومياً حتى في الأشهر الحُرم بما فيها رمضان
وأعياد الفطر والأضحى؛ وفي أيام الحج والعُمرة التي جعلها الله تعالى أيام عبادة
ودعاء وإيمان وسلام.
نُريد صوتكم العربي العروبي وإسلامكم
الوسطي المُعتدل أن يُجلجل بالحكمة التي عهدناه بكم؛ لأنكم يا صاحب السمو أنتم
وسمو ولي عهدكم وحكومتكم ومجلس أمّتكم وشعبكم الكويتي الوفي تحظون بثقة الجميع بلا
استثناء (الأعداء والخصوم والفرقاء) على الأرض العربية؛ وذلك بسبب حكمتكم وحنكتكم
وسداد رأيكم.
إنّ الكويت بميزتها وخصوصيتها ومرونتها
هي الدولة الأفضل والأنسب والأفضل لتكون حاضنة السلام والأمن العربي والإسلام؛ وأن
تكون (بيت الحوار) بين الجميع؛ وأن تكون أيضاً (المنصّة) لإعلان وقف إطلاق النار
على كلّ الأراضي العربية المكلومة؛ بحيث تضع كل الجهات والفصائل المُتصارعة
والمُتضادة السلاح جانباً؛ وأن تتوجه جميعاً بقلوب مُسالمة إلى (الكويت) للجلوس
على طاولة الحوار؛ وشعار الجميع ما قاله ربّ العزّة: (إنّ هذه أمُتكم أمّة واحدة؛
وأنا ربكم فاعبدون)؛ وقوله تعالى: (وتعاونوا على البرّ والتقوى ولا تعاونوا على
الإثم والعدوان).
سمو الأمير: إنّكم الأجدر في هذه
المرحلة لوأد الفتنة التي تتعاظم يوماً بعد يوم في العديد من الدول العربية
والإسلامية؛ كما أن الكويت هي شاطئ الأمن والأمان لسفينة العرب التائهة والضآلة؛
وأرواحنا التي تبكي دماً تتطلّع إليكم بأمل؛ في أن ترى حلف الفضول العربي يُنادى
له بعد (15) قرناً من على أرض الكويت.
* الكاتب: مُستشار ومُحلل
سياسي وأمني أردني؛ وخبير في مكافحة الإرهاب والتطرّف
[email protected]