غصّت الكثير من وسائل التواصل
الاجتماعي وبعض وسائل الإعلام بمواد مكتوبة وبوستات وفيديوهات وصور تضم محتوىً
خطيراً يتمثل في خِطاب كراهية (وحقد دفينٍ أحياناً) نحو الشعبٍ الأوكراني بأطفاله
ونسائه وكبار السِنّ والعجزة وذوي الإعاقة الذين هربوا من بلدهم بعد أن فقدوا
نِعمة الأمن والأمان في أوكرانيا، فهربوا مع بعض مقتنياتهم الأساسية إلى الدول
المجاورة بحثاً عن أمنٍ وأمانٍ في خيمةٍ أو شارع أو زِقاقٍ أو بيتٍ مفروضٍ عليهم
في بلد آخر ليلوذوا به، حتى ينجوا من القتل والرصاص في بيوتهم التي لم تعد آمنةً
في بلدهم.
قد ينقسم الرؤساء والسياسيون
والعسكريون والمُحاربون إلى فريقين أو أكثر في الحروب والمعارك والأزمات والكوارث
ضد بعضهم البعض، لكن لماذا تنقسم الشعوب على بعضها البعض في المِحن والأزمات
والكوارث!!!؟؟؟
أنأ أرفض أن يقوم البعض بتسييس الشعوب
في الحروب والأزمات، والتشمّت بها، لأني أؤمن بأن الأديان السماوية التي جاء بها
الرُسل صلوات الله عليهم وفي مقدمتها الإسلام ترفض ذلك، ولأن قيم الإنسانية
الحقيقية التي ورثناهنا من عروبتنا (الحقيقية أيضاً) تأبى علينا كبشر أن نتشفّى
بالشعوب التي تتلظّى بنار الحرب رغماً عنها، ولأسباب لا علاقة لهذه الشعوب بها.
الشعب الأوكراني كغيره من الشعوب، هو
شعبٌ مُسالم وبرئ وفيه إنسانية لا يحق لأحد أن يطمسها أو يتطاول عليها، لهذا لا
يجب تحميله تبعات قرارات وإجراءات قيادته وحكومته تجاه أي قضايا عالمية أخرى بما
فيها قضايا الشرق الأوسط، لأن مثل هذه القرارات يتم اتخاذها وفق المصالح الخاصة
بكل دولة في المطابخ السياسية والحكومية العُليا، ولا يتم أصلاً استشارة الشعوب
فيها لا في أوقات الحروب ولا حتى في أوقات السِلم والسلام.
كُنت أتمنّى ونحن في منطقة الشرق
الأوسط التي عانت من هجرات مُتتالية ونزوح شعوب خلال العقود الماضية من فلسطين
والعراق وسوريا ولبنان واليمن وليبيا وتونس وحتى السودان وغيرها أن نكون أكثر
تفهّماً شعبياً لمعاناة هجرة ونزوح الشعب الأوكراني، الذي أكدت كل أحداث هجرته أنه
لم يكن يتوقع أصلاً أن تتحوّل دولته إلى ساحة حرب ومعارك يدفع فيها ضريبة الموت
قتلاً برصاصٍ أطرش، أو صواريخ ضلّت طريقها نحو أهدافها أطلقت من على بعد مئات
الكيلومترات، أو قذائف عمياء تسير عشرات الكيلومتراتٍ دون هُدى.
إن التحليلات العالمية حول أوكرانيا كثيرة
وعديدة وتُقرأ من زوايا مختلفة، ولكل طرفٍ وجهة نظره فيها حسب مصالحه السياسية
والعسكرية والأمنية والاقتصادية، ولكن هناك سيناريو واحد أمام الشعب الأوكراني وهو
أنه شعب لاجئ ونازح ويدفع ثمن حربٍ ليس هو صاحب القرار فيها.
أطلب من كل الشعوب تفعيل (منظومة الإنسانية) في
عقولنا وقلوبنا نحو الشعب الأوكراني المُسالم، وأن نرفض معاً كل أدوات وأسلحة
التطّرف وخِطاب الكراهية التي تُمارس من بعض الشعوب ضد شعب أوكرانيا في وسائل التواصل
الاجتماعي وبعض وسائل الإعلام، بعد أن سيطرت (منظومات الحروب والقتل والموت)
بصواريخها وقذائفها ورصاصها على كامل المشهد في أوكرانيا.
صلّوا لله ... بكل لغات العالم للسلام وعودة اللاجئين والنازحين إلى
أوطانهم، لأننا في منطقة الشرق الأوسط التي تحتاج للسلام، سنكون أولا المُستفيدين
من هذه الصلاة.
وسلام لكم وعليكم من الأردن يا شعب
أوكرانيا اللاجئ والنازح والهارب والخائف على حياته ... وسلام على كل لاجئ ونازح
على الأرض يبحث عن أمانٍ ودفءٍ وكرامة، لأن ثقافتنا كمُسلمين ومسيحيين في هذا
البلد العريق العميق منذ عهد أبونا إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد رسُل الله وأنبيائه
(صلوات الله وسلامه عليهم)، هي ثقافة الوسطية والاعتدال والتسامح ورفض الغلو
والتطّرف والإرهاب وخِطاب الكراهية.
* سفير سلام – ورئيس وِحدِة ثقافة
السلام في الشرق الأوسط
[email protected]