بقلم: د. هايل ودعان الدعجة
في ظل زحمة الملفات والقضايا الدولية والاقليمية الشائكة والمعقدة ، وما انطوت عليه من ارتدادات وتداعيات سلبية على منطقة الشرق الاوسط تحديدا ، اختار جلالة الملك عبد الله الثاني المنبر العالمي ممثلا بالجمعية العامة للامم المتحدة لتسليط الضوء على ابرز المخاطر والتحديات التي تهدد امن المنطقة واستقرارها عبر رسالة ملكية هاشمية ذات ابعاد عربية واسلامية واقليمية ودولية ، ليضع المجتمع الدولي امام مسؤولياته القانونية والاخلاقية والانسانية ، دفاعا عن القيم والمبادئ التي قامت عليها هذه المنظومة الدولية ، التي ولدت من رحم وعلى انقاض الحرب العالمية الثانية في مسعى لحماية الاجيال القادمة من البؤس والمعاناة والحرمان . مذكرا جلالته بان مبادئ السلام والوئام والاستقرار التي قامت عليها الجمعية العامة ، وشكلت بارقة الامل لانقاذ البشرية من براثن الفوضى والحروب ، ما تزال تتعرض للتهديد ، وانها بحاجة الى تضافر جهود الاسرة الدولية من اجل الدفاع عنها وتكريسها في المشهد الدولي من بوابة العمل المشترك ، بحيث تتحد هذه الجهود لخدمة القضايا المشتركة وحل الملفات والازمات المعقدة ، ومنها الصراع الفلسطيني الاسرائيلي ، المسؤول عن حالة الفوضى وعدم الاستقرار التي تسود اهم المناطق الاستراتيجية في العالم . مطالبا جلالته باعادة العملية السلمية الى مسارها الصحيح من خلال الاستناد الى المرجعيات والقرارات الدولية التي اقرت جميعها بحق الشعب الفلسطيني ، بان ينعم بمستقبل يعمه السلام والكرامة والامل . ما يشكل جوهر حل الدولتين ، باعتباره السبيل الوحيد لسلام دائم وشامل ، وبما يضمن اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة على خطوط الرابع من حزيران ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية . في اشارة الى الجهود الملكية في الساحة الدولية دفاعا وانتصارا لقضايا المنطقة وملفاتها ، خاصة القضية الفلسطينية ووضعها في دائرة اهتمامات واولويات دوائر صنع القرار الدولي . تماهيا مع دور جلالته المحوري في التعاطي مع كل ما من شأنه تعزيز الامن والاستقرار في المنطقة والعالم . كذلك وانطلاقا من الوصاية الهاشمية على الاماكن المقدسة الاسلامية والمسيحية ، والدور الاردني الديني والتاريخي في القدس الشريف ، فقد اكد جلالته على استمرار الاردن في بذل الجهود الكفيلة في الحفاظ على الوضع القائم في المدينة المقدسة ، والحيلولة دون تهويدها وتغيير هويتها التاريخية وطابعها ومعالمها العربية والاسلامية والمسيحية . متسائلا جلالته .. الى متى ستظل القدس تواجه مخاطر تهدد هويتها وتراثها ، مشيرا الى التداعيات السلبية على مستوى العالم ، التي ستترتب على تهديد حرية العبادة وتقويض القانون الدولي . دون ان نغفل الجهود الاردنية في سبيل حشد الدعم المالي والسياسي الدولي لوكالة الامم المتحدة لاغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين ( الاونروا ) لضمان الحفاظ على دورها في الحفاظ على حق اللاجئين في العيش الكريم والتعليم والخدمات الصحية في ظل ما تتعرض له هذه الوكالة الدولية من ضغوطات من اجل تصفية ملف اللاجئين الفلسطينيين ، وشطبه من قائمة قضايا الوضع النهائي التي سيحسم امرها بالتفاوض .
وعلى صعيد الازمة السورية ، فقد اشار جلالة الملك الى وقوف الاردن ودعمه للمساعي الدولية الرامية الى تحقيق التسوية السياسية في سوريا ، وفقا لمسار جنيف وقرار مجلس الامن ٢٢٥٤ ، للحفاظ على وحدتها وسيادتها وسلامة اراضيها . واضعا المجتمع الدولي في صورة اعباء ملف اللاجئين السوريين على الاردن ، حيث شكل هذا الملف ضغطا كبيرا على قطاعاته الخدمية والتنموية وموارده المحدودة ، مستندا في ذلك الى ارث عريق ومنظومة قيمية واخلاقية قائمة على التراحم والانسانية . مطالبا الدول المانحة بتحمل مسؤولياتها حيال هذا الملف الانساني الذي ينطوي على ابعاد ومسؤوليات دولية على اعتبار ان العمل المشترك انما يمثل السبيل الوحيد لحل الازمة السورية او اي ازمة دولية اخرى . وبخصوص موضوع الحرب على الارهاب ، التي وصفها جلالة الملك بالحرب العالمية الثالثة ، فقد حظي باهتمام جلالة الملك الذي طالب بضرورة التعاون والتنسيق ووضع استراتيجية تشاركية عالمية لمواجهة التهديدات والمخاطر الناجمة عن هذه الافة الخطيرة من خلال منهج فكري مستنير يستند الى قيم انسانية نبيلة اساسها التسامح والتعايش والعدل والتراحم ، والتعامل مع القضايا الاساسية المرتبطة بالتنمية والحكم الرشيد والشباب والتعليم ومحاربة الفقر والبطالة وايجاد فرص العمل لضمان هزيمة التطرف والعنف والفكر الظلامي . مؤكدا جلالته على ضرورة الاحترام المتبادل والتفاهم المشترك والشراكة الدولية من اجل تعزيز فرص تحقيق وعد المستقبل والسلام والازدهار ومنح شعوب العالم ، خاصة الشباب الثقة في العدالة الدولية والقانون الدولي والمؤسسات والاتفاقيات الدولية بوصفها الادوات والهياكل والقواعد التي تضبط حركة المنظومة الدولية وتحافظ عليها من الانحراف عن جادة الصواب .