بقلم:
د. هايل ودعان الدعجة
من أكثر
الصعوبات التي تواجه الحكومات الاردنية في التعاطي مع المسألة الاقتصادية ، عدم تبسيطها
للمصطلحات والمفاهيم الاقتصادية ، وشرحها وتوضيحها بلغة بسيطة ومفهومة ، تساعد العامة
على فهمها واستيعابها والتفاعل معها بسهولة ويسر في ظل ما عرف عن لغة الاقتصاد من صعوبة
وتعقيد حتى على الفئات المتعلمة من التخصصات الاخرى . وبات امرا اعتياديا ان تسمع من
المتحدث بالشأن الاقتصادي من خارج هذا الاختصاص الى ما يشير الى هذه المعضلة من خلال
تنويهه وتوضيحه بانه ليس مختصا او خبيرا في الامور الاقتصادية منعا للحرج اولا ، وبما
يشبه التحوط او الاعتراف المسبق بصعوبة الابحار في عالم الاقتصاد المعقد والعميق ثانيا
، وذلك قبل ان يشرع في حديثه . فكيف بالحكومات التي تخاطب الشارع الاردني بهذه اللغة
المعقدة ، محاولة اقناعه بجهودها وانجازاتها وتسويق سياساتها وخططها الاقتصادية في
ظل هذه العقدة في لغة التخاطب ، الكفيلة باجهاض هذه الجهود وتجاهلها ، وجعلها خارج
اهتمامات المواطن وحساباته في الحكم على ادائها ، مهما كان حجم هذا الاداء او بلغت
نوعيته ، طالما تستخدم لغة صعبة في عرض نهجها وسياستها وتمريرها عبر قنوات اقتصادية
فنية ومختصة ومعقدة ، يصعب فهمها من قبل العامة . كما هو الحال عند استخدامها
مصطلحات مثل ، النمو الاقتصادي ، والناتج المحلي ، والتضخم ، ونسبة المديونية الى الناتج
المحلي ، وتحفيز بيئة الاعمال ، والنفقات الجارية ، والنفقات الرأسمالية ، والميزان
التجاري ، وميزان المدفوعات ، والتشوهات والاختلالات الاقتصادية وغيرها . فكيف
لها مثلا ان تقتنع المواطن بفوائد وايجابيات زيادة وتحسن النمو الاقتصادي والناتج المحلي
والنفقات الرأسمالية وبيئة الاعمال ، اذا لم يؤدي ذلك الى تحسين دخله ومستوي معيشته
.
واذا ما
اسقطنا هذا الكلام على مسودة مشروع قانون معدل لقانون ضريبة الدخل ، التي تخضع لحوارات
ونقاشات وطنية ، سنلاحظ وجود هذه المعضلة في ظل استخدام الحكومة لنفس اللغة الاقتصادية
مع كافة المكونات المجتمعية ، رغم التفاوت الفكري والثقافي والتعليمي بينها . الامر
الذي يستدل عليه من استخدامها لمصطلحات مثل ، ضريبة التكافل الاجتماعي ، والاعباء والاعفاءات
والسقوف والشرائح والاقرارات الضريبة وغيرها ، والتي قد لا تكون مفهومة من قبل الغالبية
العظمى التي تستهدفها الحكومة بحواراتها وتحاول اقناعها بالتعديلات الضريبية
. خاصة ان مشكلتها مع هذه الغالبية تحديدا ، والتي تشعر بانها المتضرر الاكبر والاكثر
من التداعيات الضريبية السلبية لهذه التعديلات ، بما في ذلك التداعيات الضريبية على
القطاعات الاخرى التي سرعان ما تحملها لهذه الغالبية المجتمعية ، التي تعاني اصلا
اوضاعا اقتصادية ومعيشية صعبة بسبب الغلاء وتراجع دخولها وكثرة الضرائب التي تدفعها
.
ما
يجعل الحكومة تواجه صعوبات جمة في اقناع الشارع بالتعديلات التي اجرتها على قانون الضريبة
، والوصول الى توافقات وتفاهمات وطنية تسهم في اقراره وتمريره . وهو ما عكسته الحوارات
واللقاءات التي عقدتها الفرق الوزارية في المحافظات مع الفعاليات الشعبية ، التي لم
يكن اكثرها بصورة التعديلات ، وربما لم يقرأها او يفهمها ، فاستعاض عن الخوض في تفاصيل
قانون الضريبة الفنية ، بطرح قضايا اقتصادية عامة ، كالفساد والمديونية وارتفاع الاسعار
وتكاليف المعيشة ، وسط اجواء من الفوضى ، انطوت على اساءات طالت الموظف العام والوظيفة
العامة ومؤسسات الدولة ، وتركت انطباعا سلبيا عن طبيعة التحاور مع القطاعات الشعبية
. وذلك على عكس اللقاءات التي اجرتها الحكومة مع الفعاليات الاقتصادية والنقابية والحزبية
ومؤسسات المجتمع المدني حول مسودة قانون الضريبة ، والتي تمخضت عن تقديم هذه الفعاليات
المهنية والمثقفة لملاحظاتها ومقترحاتها ، مستغلة اجواء الحوار الايجابية ، وما رافقها
من وعود حكومية باستقبال مثل هذه الملاحظات ودراستها وتضمين المناسب منها مشروع القانون
المعدل ، وذلك قبل ارساله الى مجلس الامة صاحب الصلاحية باقراره بصيغته النهائية
. وكان اللافت في الملاحظات التي قدمها مجلس النقباء على قانون الضريبة المعدل ، الملاحظة
التي انطوت على مطالبة الحكومة بتعريف المصطلحات ، وتوضيح كل تعريف جديد ، بشكل يمنع
اللبس والاجتهاد .. فاذا كانت مثل هذه الملاحظة التي تطالب بتعريف مصطلحات ضريبية ،
صادرة عن هذا القطاع المهني والفني والمتعلم والمثقف والمختص ، كناية عن صعوبة هذه
المصطلحات ، واحتمالية تفسيرها او تعريفها باكثر من معنى ، فما حال الغالبية التي تواجه
صعوبة في تحديد مفهوم هذه المصطلحات الاقتصادية في التعاطي معها وفهمها واستيعابها
؟ .
الامر الذي
يجعلنا نؤكد على اهمية توفير المعلومة الاقتصادية وتوضيحها وتبسيطها بصورة مسبقة ،
لغايات ضمان تفاعل الجميع مع الحوارات واللقاءات المجتمعية التي تعقدها الحكومة ، التي
كان عليها مثلا ، تزويد المشاركين بملخص بسيط مثلا ، وبلغة سهلة ومفهومة عن اهم التعديلات
الضريبية التي اجرتها الحكومة ، وتأمينه لهم من قبل الحكام الاداريين مع الدعوات
التي وجهت لهم ، قبل اللقاءات مع الفرق الوزارية ، لضمان تفاعل هؤلاء المشاركين
مع الحدث بصورة ديمقراطية وحضارية تضمن تحقيق الغاية التي عقدت من اجلها هذه اللقاءات
. ما يعيدنا الى النموذج الديمقراطي الذي قدمه الشارع الاردني ، وحظي باهتمام دول العالم
واعجابها باسلوبه التعبيري الحضاري ، الذي نجح من خلاله بايصال رسالته الاحتجاجية على
سياسات الحكومة السابقة ، خلال الاحتجاجات التي شهدها الدوار الرابع في شهر رمضان الماضي
.
في
تأكيد على اهمية الحوار والتواصل مع المكونات المجتمعية بلغة واضحة ومفهومه ، للوصول
الى توافقات وقواسم فكرية وطنية مشتركة تسهم
في فهم الواقع ووضع المواطن بصورة التحديات والظروف المختلفة التي تواجهها الدولة ،
وبالتالي مساعدة صانع القرار على التعاطي المسؤول مع الملفات والقضايا الوطنية ، بما
فيه خدمة الصالح العام .