بقلم: د. هايل ودعان الدعجة
يمثل التحدي الاقتصادي ، التحدي الابرز
الذي يستحوذ على المشهد الوطني على وقع ظروف وعوامل اقليمية ضاغطة ومؤثرة ، مجسدة
في الاحداث التي شهدتها وما تزال تشهدها المنطقة خاصة في العراق وسوريا ، بصورة
انعكست بتداعياتها السلبية على اوضاعنا الاقتصادية والاجتماعية والخدمية . حيث
انخفضت نسبة النمو بعد عام ٢٠١١ الى ٢% بعد ان كانت ٦% خلال الفترة ٢٠٠٠ - ٢٠١٠ .
ارتفعت خلالها نسبة المديونية الى الناتج المحلي من ٦٢% الى حوالي ٩٥% ، بمعدل ٥%
سنويا الامر الذي دعا الى انتهاج سياسة الاعتماد على الذات وتقليص الاعتماد
على المساعدات الخارجية تدريجيا عبر توفير فرصا اقتصادية وتنموية واستثمارية ،
وتعزيز النمو الاقتصادي والموارد الذاتية والبيئة الاستثمارية والانتاجية
والتنافسية للاقتصاد الوطني . وهي التحديات التي فشلت الحكومات المتعاقبة في وضع
المواطن بصورتها عبر فتح قنوات للحوار والتواصل مع الفعاليات المجتمعية المختلفة ،
بهدف الوصول الى تفاهمات وتوافقات وطنية مشتركة ، يمكن البناء عليها ومراعاتها عند
وضع السياسات والخطط والبرامج الحكومية . الامر الذي انطوت عليه التوجيهات الملكية
السامية الى الحكومة الحالية في كتاب التكليف السامي ، ولقاء جلالة الملك بالفعاليات
الاعلامية في اكثر من مناسبة ، مطالبا اياها بضرورة اطلاق حوار وطني مع الفئات
والمكونات الشعبية والسياسية والحزبية والنيابية والشبابية ومؤسسات المجتمع المدني
المختلفة ، والاستماع لها ووضعها بصورة التحديات التي تواجه المملكة بموضوعية
وشفافية .. على اعتبار ان الحوار والتواصل وبناء التوافق تعتبر من اهم الاليات
الديمقراطية التي على الحكومة مراعاتها في انفتاحها وتواصلها مع هذه المكونات
المجتمعية ، بما يسهم في فهم الواقع الذي يمثل الوسيلة الناجعة التي من شأنها
مساعدة الحكومة على اتخاذ الاجراءات ووضع القوانين التي من شأنها الاسهام في تجاوز
الظروف الصعبة . ويسجل لحكومة الدكتور عمر الرزاز ، التقاطها الاشارة
الملكية بتعاطيها المسؤول مع التعديلات المزمع اجراؤها على قانون ضريبة الدخل ،
بعقدها العديد من اللقاءات والحوارات المجتمعية ، بهدف الوصول الى قانون توافقي يراعي
مصلحة الوطن والمواطن . حيث قامت الحكومة بنشر مسودة مشروع القانون المعدل لقانون
ضريبة الدخل لسنة ٢٠١٨ على موقع ديوان التشريع والرأي بعد تعديل بعض من مواده ،
ليكون في متناول الجميع لابداء اي افكار او ملاحظات او مقترحات ، واستقبالها
ودراستها ، وذلك قبل اقراره ، واحالته الى البرلمان للسير في الخطوات الدستورية
المطلوبة .
ما يعني ان المواطن الاردني امام فرصة
ثمينة للتعاطي والتفاعل بايجابية مع هذه التعديلات الضريبية ، تفعيلا لنهج الحوار
والمشاركة في عملية صنع القرار والجهود الوطنية بمرونة وتفهم لطبيعة المرحلة الصعبة
التي يمر بها بلدنا . الامر الذي يقتضي من الجميع الانخراط في هذه الالية
الحوارية الاصلاحية الديمقراطية بهدف الوصول الى حلول مرضية وافكار توافقية حول
القانون ، تكون بمثابة البوصلة الوطنية التي من شأنها تحديد الاتجاهات الكفيلة
بالوصول بالجميع الى الغاية من هذه التعديلات ، ممثلة بتحقيق العدالة والنمو بما
فيه مصلحة الاقتصاد الوطني . لان المطلوب في النهاية قانون ضريبة للدولة الاردنية
، يراعي مصالح مكوناتها وشرائحها المختلفة . مع التأكيد بان القانون ما زال في
بداية الطريق ، وانه لا بد ان يمر بمراحله الدستورية قبل اقراره وقبل ان يأخذ شكله
النهائي . حيث يتطلب اولا اقراره من قبل الحكومة التي ارتأت طرحه للحوار والنقاش
قبل ذلك ، قبل ارساله الى مجلس النواب ، الذي سيخضعه الى نقاشات وحوارات موسعة ،
بحيث يأخذ باعتباره تحقيق مصالح القواعد الشعبية التي يمثلها ، والمطالبة هي ايضا
بالتواصل معه للتوافق على هذه المصالح ، ومن ثم ارساله الى مجلس الاعيان الذي يمثل
بيت خبرة وطنية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والفكرية والقانونية ،
التي سوف يوظفها في سبيل تحقيق المصلحة الوطنية . فالكرة ما تزال في ملعب المواطن
الذي تقع عليه مسؤولية الدخول في حوارات ونقاشات مع الجهات ذات الصلة بالقانون ،
وتزويدها بالافكار والطروحات والحلول التي تتوافق وتحقيق مصالحه ، وذلك بعيدا عن
الاحكام السلبية المسبقة التي يطلقها البعض على هذه التعديلات ، دون
ان يتوقف عندها او يقرأها قراءة موضوعية ومتأنية يراعي فيها المصلحة العامة .