بقلم: المحامي فراس ملكاوي
عندما ايقنت الدول النامية أن مطالبة
الله بالمعجزات لاتجدي نفعا أخذت تطالب
بها المشرعين في محاولة يائسة لمعالجة الأمراض الاجتماعية وتحقيق التنمية المرجوة
فأعلنوا مبدأ الشرعية وسيادة النصوص المكتملة
المراحل شكلا الهجينة مضمونا دون مراعاة أسرار تكوين التشريع الذي يحميه ايمان
المجتمع به ويذود عن أحكامه بدون حاجة الى رقابة السلطة الحارسة :
فالقانون المثالي هو الذي يجمع عادات مجتمع في
مواده ويتطور كلما تطورت عاداته، وإن تغيير عادات المجتمع لا تكون بقوة التشريع
واكراه الناس على تطبيقه بل على المشرع أن
يكون على علم واسع بثقافة وعادات مجتمعه في مختلف الطبقات وأن لا يكتفي بغزارة
علومه بأعراف قريته فقط ، وذلك لأن
العادات الاجتماعية تتغير تبعا للبيئة
الثقافية السائدة و الناتجة عن نظرة المجتمع العامة لمفهوم الانسان وحرياته ومفهوم
الدولة واهمية سلطتها ومعاني العدالة والعيش المشترك وقيم التسامح ونظرة المجتمع
الى الفرد وصولا إلى الوعي الجمعي العميق لجملة من القيم والمبادئ والسلوكيات التي
اعتاد عليها شعب ما ،وحينها فقط تكون هذه العادات والأعراف قابلة للصياغة ضمن مواد
لتصبح قانون .
إلى
أن تنضج العادات الاجتماعية في ظل
تنامي الشعور الجمعي العام بضرورة احترامها لتصبح مهيأة لتقنينها فلا بد أن يقرها
القضاء ،فالقضاء عند جميع الأمم أعظم شوكة من القانون لأن تجدد الحاجات الإجتماعيه
أسرع من تجدد القوانين كما أن القضاء يعين حدود
هذه العادات والأعراف وطبيعتها .
وفي البلاد التي يظهر أن القاضي فيها
مقيد مكره على تطبيق حرفية النصوص يجب على النصوص أن تتحول فيها تبعا للتحولات
الإجتماعية والاقتصادية الأمر الذي يفسر
الاسراف بالتشريع في السنوات القليلة الماضية ، بدون مراعاة البيئة الاجتماعية
ومستوى الوعي الجمعي بل جاءت بعض النصوص تناقضها احيانا وتحظرها احيانا أخرى .
و إن استيراد القوانين من أمة اخرى
مختلفة بتاريخها وموروثها وقيمها وتجاربها وطموحها ونظرتها الى الانسان
والكون ثم ترجمة هذه القوانين وفرضها على
المجتمع المختلف كما أسلفنا في اطار التشبيه القسري بين المجتمعين سيؤدي حتما إلى
خرق احكام ذلك القانون والتحايل عليه ، فليس من الحكمة سن التشريعات قبل تهيئة
البنية التحتية الاجتماعية والثقافية وصقلها في إطار عادات وأعراف يألفها الشارع ،
لتكون موائمة للقيم الروحية والاجتماعية النابعة من احساس الشعب بإلزاميتها رغم
عدم النص عليها بقانون .
وإلا ما فائدة تكديس التشريعات
والمبالغة بالتمسك بحرفية نصوصها وترتيب الجزاءات على مخالفتها على حساب العدالة
الواقعية ووضع حد للنزاعات التي لفظتها
المحاكم لمخالفتها لمدد ومواعيد الأصل بها أن تكون إرشادية يهتدي بها سالك مرفق
القضاء لا أن تكون نصوص تحكمية انتقاميه .
فالأصل هو الفصل بالنزاعات واعطاء لكل
ذي حق حقه في اقرب وقت وهذا ما يسمى بالعدالة الناجزة لا أن يبدع المشرع بسن نصوص متربصة بطرفي النزاع اذا ما خالف
احدهما مراعاتها أنزل به عقوبة رد دعواه .
فإن معالجة اخفاق التشريع بتحقيق الغرض
منه بتشريع آخر أكثر غرابة عن المعتقدات الاجتماعية السائدة لن يحقق الخضوع الطوعي
لأحكامه بسبب غرابة أحكامه عما أعتاد عليه الغالب الأعم من الفئة المستهدفة من
التشريع وكلما زادت صرامة أحكامه زاد انكاره والتحايل على أحكامه حتى لوكان انكاره
جريمة فالجرم إذا عم إنقلب إلى حق...