للمرء أن يستعير العنوان الذي أطلقه الخليفة العباسي، هارون الرشيد، على الشاعر “مسلم بن الوليد الأنصاري” (مجازًا) وهو “صريع الغواني”. وإذا كان هذا الوصف قد تمت استعادته في سياقنا هذا كي يطلق على عدد آخر من الشعراء الذين اشتهروا بالغزل والمجون وحب معاشرة النسوة، فإني استميح القارئ المحترم عذرًا لإطلاقه على العصر القائم اليوم في الولايات المتحدة الأميركية، إذ لم يعد من الصعب تصور أية شابة حسناء أن تقيم الدعوى القانونية ضد أي مسؤول أميركي، مهما علا شأنه: أكان جنرالًا أو سيناتورًا أو سفيرًا أو حاكمًا أو أي شيء بلا استثناء.
وإذا كانت ممثلة الأفلام الإباحية، ستورمي دانييال، قد فتحت الأبواب واسعة لهذا التيار الجارف بعد أن وجهت تهمة التواصل الحميم مع الرئيس دونالد ترامب شخصيًّا، قبل أن يكون رئيسًا، ووظفت محاميًا مشهورًا لهذا الغرض، يأتي الآن دور “أماروسا” Omarosa، وهي موظفة سابقة في حملة دونالد ترامب الانتخابية، قبل حين، ثم مستشارة شخصية له في الجناح الغربي داخل البيت الأبيض، إذ كان ردها على قرار طردها من وظيفتها لا ينطوي على خشية من سطوة الرئيس، خاصة وأنه الآن وسط “معمعة” متفردة من هذا النوع، بعد أن حوصر من قبل عدة نساء عظيمات الحسن والجمال بإجراءات قضائية من هذا النوع. ولا يغيب عن بال القارئ النابه ما الذي يعنيه هذا النوع من التهم لرجل من عيار الرئيس الملياردير شخصيًّا: هو يعني ملايين الدولارات من التعويضات أو من نفقات الإسكات أو شراء الصمت، إذ يبتاع الرجل الغني صمت متهماته بأموال خيالية، أموال تكفي لإعاشة المرأة شخصيًّا وربما بضعة أجيال أخرى من أبنائها وبناتها، على نحو التوالي والتتالي الوراثي.
هذه هي الحال التي راحت تقض مضاجع حتى رجال الكنيسة الكاثوليكية إذ تمت إماطة اللثام عن علاقات جنسية بصبية وصبيات من قبل قساوسة ورهبان في الكنيسة. زد على ذلك صعود موجة حركة “وأنا كذلك!” “Me Too” التي أطلقتها نسوة لتشجيع أخوات لهن للكشف عن تعرضهن للتحرش وللاعتداء الجنسي من مدرائهن أو من متنفذين في إدارة شؤون الدولة: حتى قائد القوات الأميركية في العراق سابقًا (رئيس جهاز الــCIA) الجنرال “بيتريوس” لم يفلت من هذه التهم، درجة إعفائه من جميع مناصبه، بغض النظر عن خدمته وخبراته الأساس في حقول تخصصه.
هكذا، راح الكثير من المتنفذين يضعون ايديهم على قلوبهم كلما تذكروا مناسبة ألقوا خلالها تحية مغازلة وكلمات مزعجة أو مشحونة بالإيحاءات الجنسية أمام نسوة ممن عملن معهم وقد شملت هذه الحال مدير واحدة من أكبر الفضائيات في العالم، وهي فضائية CBS الذي لم ينجو هو الآخر من تسونامي هذا النوع المدمر الذي استحال إلى تيار، ومصدر رزق يكفي المرأة التي حباها الله بشيء من الجمال شرور العمل أعوامًا، زيادة على ما تورثه لأبنائها وربما لأبنائهم من ثروات حال حصولهن على تعويصات عما تعرضن له من مضايقات ومحاولات إرغام جنسي من هذا القبيل.
وهكذا لم يتبق “صريع الغواني”، الشاعر العباسي حبيسًا في كتب تاريخ الأدب العربي، إذ يزداد “صرعى الغواني” بالعشرات على الوجه المعاكس من الكرة الأرضية اليوم على نحو مطرد.