بقلم: د. هايل ودعان الدعجة
استحوذ الحديث عن التعديل الذي طرأ مؤخرا على نظام الخدمة المدنية ، بطرد الموظف اذا حصل على تقييم ضعيف لعامين متتالين على اهتمامات الاوساط الرسمية والشعبية والاعلامية ، حيث تصدر عناوين الاحداث والاخبار والتغطيات الاعلامية المختلفة في الايام القليلة الماضية . ولربما اعتقدت الجهات الرسمية ذات العلاقة انها بهذا التعديل المنافي لتوجهات الادارة الحديثة ، انما حققت قفزة نوعية في مسار عملية الاصلاح الاداري في الاردن ، بطريقة ستحسن من اداء الموظف ، وتدفع به نحو الافضل ، لمجرد شعوره انه يعمل تحت تأثير ضغط التهديد بهذه العقوبة ، دون مراعاة للجهود والتطورات التي شهدها علم الادارة في سبيل تحسين اداء العامل ( الموظف ) وزيادة انتاجيته ، ممثلة بالنظريات والمدارس الادارية المختلفة ، التي حرصت على النهوض بهذا الحقل الذي يمثل القاعدة الاساسية في تقدم الشعوب والحضارات وتطورها وازدهارها ، كالمدرسة الكلاسيكية ( التقليدية ) والعلاقات الانسانية والاجتماعية والسلوكية والنظم والحديثة وغيرها ، والتي وصلت الى نتيجة مفادها ان انتاجية العامل وزيادتها وتحسينها ، انما تتوقف على حالته النفسية ، بعد ان كان ينظر اليه باعتباره ألة ( ماكنة ) . فان يتم القفز عكس تيار الادارة العصرية ومتطلباتها وتوجهاتها الحديثة ، فان هذا من شأنه ان يضعنا امام اكثر من سؤال ، واكثر من استفسار عن جدوى مثل هذا التعديل الذي يتنافى مع ابجديات الادارة الحديثة التي تسعى الى توفير بيئة عمل ملاءمة ومريحة للعامل ، كفيلة بتحسين نفسيته وادائه ومن ثم زيادة انتاجيته عبر التركيز على الحوافز والامتيازات والمكافأت التي من شأنها تحفيزه وتشجيعه بدلا من احباطه وتهديده بالعقوبات ، استنادا الى تقارير وظيفية يفترض انها تعكس اداء الموظف ، الذي قد يكون ضحية عملية تقييمية ظالمة ومجحفة خاضعة للشخصنة والاعتبارات الخاصة ، تقوم بها قيادات ادارية غير مؤهلة قد تكون وصلت الى مواقع المسؤولية بطرق ملتوية او التفافية كالواسطة والمحسوبية ، بحيث ينعكس ذلك على ادائها وقراراتها ، ترجمة للطريقة التي وصلت من خلالها الى مواقع المسؤولية . اضافة الى افتقار عملية التقييم اصلا الى معايير علمية وموضوعية بعيدة عن التأثيرات الجانبية ، يمكن الاعتماد عليها في انصاف الموظف ، وعدم تركه تحت رحمة مزاجية بعض المسؤولين غير المؤهلين .
اما وقد جرى التعديل المذكور ، الذي سيكون في طريقه الى التنفيذ ، وان كنا لسنا مع الصيغة التي خرج بها ، الا ان الرهان على تلافي الاجواء المحبطة والسلبية التي قد تترتب عليه ، يكمن في وجود قيادات ادارية مؤهلة احتلت مواقعها الوظيفية وفقا لمعايير اختيار عادلة وعلمية وموضوعية ، تجعلها قادرة على التعاطي المسؤول مع الموظفين ، وبما يضمن تطوير ادائهم وتحسينه ، عبر توفير بيئة عمل محفزة ، يراعى فيها عقد دورات تدريبية حسب احتياجات الموظفين ، لضمان التغلب على نقاط الضعف التي يعاني منها البعض عبر تزويده بالمهارات المطلوبة . في تأكيد على المسؤولية التي تقع على عاتق الادارة في معالجة المشاكل والسلبيات التي تعاني منها المؤسسة بما في ذلك السلبيات التي يعاني منها العاملين . ففي احدى المؤسسات كانت تقارير احد الموظفين السنوية ممتازة نتيجة نشاطه وادائه المميز . وبعد فترة اخذ اداء هذا الموظف بالتراجع الملموس ، الامر الذي انعكس سلبيا على تقييمه وتقاريره . حتى ان رئيسه المباشر نسب لمديره بانهاء خدماته . الا ان المدير وقبل الموافقة على هذا التنسيب ، عاد الى ملف هذا الموظف ، ولاحظ انه كان موظفا نشيطا ومميزا ، وتقاريره كانت ممتازة ، وذلك قبل ان يتراجع اداؤه فجأة بشكل انعكس سلبيا على تقييمه وتقاريره . فما كان منه الا ان استدعاه وتحدث معه في الموضوع ، ليكتشف انه يعاني من اشكالية معينة ، ربما ضائقة مالية ، اثرت في نفسيته بطريقة انعكست سلبيا على ادائه ، فقام المدير بمعالجتها بشكل اراح الموظف واعاده الى سكة النشاط والعمل المميز من جديد . ولنا ان نلاحظ الفرق في التعاطي مع مشكلة الموظف بين رئيسه المباشر ومديره . وكيف ان الادارة الحصيفة هي القادرة على تهيأة الظروف والبيئة المناسبة والمحفزة على العمل ، لا البيئة المحبطة والطاردة التي يتصيد فيها المسؤول اخطاء الموظف ويتحين الفرصة لمعاقبته وربما طرده . فالتحدي الذي يواجه التعديل على نظام الخدمة المدنية ، يكمن في ضمان توفير اجواء ايجابية كفيلة بانتاج مسؤول من وزن المدير الذي راعى ظروف الموظف قبل توقيع قرار فصله ، وليس مسؤولا على شاكلة الرئيس المباشر للموظف رغم قربه منه وتعامله اليومي معه . وحتى نضمن مأسسة ثقافة التميز والابداع في مؤسساتنا ، التي اعرب جلالة الملك عبد الله الثاني عن أسفه لتسجيل العديد منها اداء ضعيفا في عملية التطوير والتحسين ، خلال حفل توزيع جوائز جلالته قبل فترة .