نشر بتاريخ :
08/04/2025
توقيت عمان - القدس
4:16:04 PM
بينما يخضع جسم الإنسان لتغيرات طبيعية
لا رجعة فيها مع التقدم في العمر، يظهر كائن صغير وغير ملحوظ تحديًا لهذه المسلمات
البيولوجية، حيث تحمل دودة البلاناريا أسرارًا مذهلة حول "الخلود" قد
تقدم رؤى حيوية لفهم ومكافحة الشيخوخة لدى الثدييات، بما في ذلك البشر.
ففي تناقض صارخ مع التدهور التدريجي في
الوظائف الجسدية الذي يعاني منه البشر مع مرور الوقت، تمتلك دودة البلاناريا، وهي
كائن مائي صغير لا يتجاوز طوله بضعة مليمترات، قدرة استثنائية على تجديد جميع
أعضائها التالفة بالكامل، بل والأكثر إثارة للدهشة، قدرتها على عكس علامات التقدم
في العمر ذاته.
وقد اكتشف علماء في مختبرات جامعة
ميشيغان، أثناء دراستهم للتركيبة الجينية لهذه الديدان الصغيرة، أسرارًا علمية قد
تحدث انقلابًا جذريًا في فهمنا لعملية الشيخوخة. فقد وجدوا أن هذه الديدان
الاستثنائية تمتلك قدرة خارقة على تجديد أجزاء جسمها بالكامل، حتى أنها تستطيع
إنماء رأس جديد متكامل بكل ما يحتويه من دماغ وعينين بعد قطع رأسها. ولكن الاكتشاف
الأكثر إثارة للدهشة هو ما كشفته الأبحاث الحديثة عن قدرتها الفريدة على عكس
علامات التقدم في العمر.
ويمكن لدودة البلاناريا، التي تنتمي
إلى فصيلة الديدان المسطحة، أن تخضع لعملية تجديد مذهلة، فعند قطع رأس دودة مسنة،
فإنها لا تكتفي فقط بنمو رأس جديد، بل إن أعضاءها وأنسجتها تعود إلى حالة شبابية
مفعمة بالحيوية والنشاط، وكأنها استعادت شبابها.
ويقود هذا البحث الطموح البروفيسور
لونغهوا غو، العالم المتخصص في علم وظائف الأعضاء الجزيئي والتكاملي، الذي أمضى
سنوات طويلة في دراسة هذه الديدان الغامضة. ويقول غو: "لطالما عرف العلماء
قدرة البلاناريا المذهلة على التجدد منذ أكثر من قرن من الزمان، ولكننا الآن بدأنا
نفهم الآليات الجزيئية المعقدة التي تمكنها من عكس عملية الشيخوخة".
ويكمن السر وراء هذه القدرة الفريدة في
الخلايا الجذعية البالغة التي تحتفظ بها هذه الديدان طوال دورة حياتها، وهو ما
يختلف عن الثدييات التي تفقد معظم هذه الخلايا مع التقدم في العمر. فعندما تتعرض
الدودة للإصابة أو تفقد أحد أعضائها، تنشط هذه الخلايا الجذعية في عملية معقدة
ودقيقة تعيد بناء الأنسجة التالفة كما لو كانت في مراحل النمو الأولى.
ولكن المفاجأة الكبرى التي توصل إليها
العلماء جاءت عند مقارنة البيانات الجينية لهذه الديدان مع البيانات المتعلقة
بشيخوخة الفئران والجرذان والبشر. وقد اكتشف الفريق تشابهًا مذهلاً في أنماط
التعبير الجيني المرتبطة بعملية الشيخوخة بين هذه الكائنات الحية المتباعدة
تطوريًا.
والأكثر إثارة للدهشة، أن أنماط
التجديد التي لوحظت في الديدان تشبه إلى حد كبير تلك الموجودة في الفئران التي
خضعت لتدخلات علمية تهدف إلى إطالة عمرها.
وتطرح هذه النتائج الثورية سؤالًا
جوهريًا وملحًا: إذا كانت الآليات الأساسية للشيخوخة متشابهة إلى هذا الحد بين
كائنات حية مختلفة، فهل يمكن نقل الدروس المستفادة من دودة البلاناريا إلى مجال
الطب البشري وتطبيقاته؟
ويجيب البروفيسور غو بحذر وتفاؤل:
"نحن ما نزال في بداية طريق طويل ومليء بالتحديات، ولكن هذه الاكتشافات
الأولية تثبت بوضوح أن عكس عملية الشيخوخة على مستوى الكائن الحي بأكمله هو أمر
ممكن نظريًا".
وفي الأشهر القادمة، سيركز الفريق
البحثي جهوده على تحديد الجينات والخلايا المحددة المسؤولة عن هذه المعجزة
البيولوجية، في محاولة لفك الشفرة المعقدة لبرنامج التجديد الفريد الذي تمتلكه هذه
الديدان الصغيرة.
وقد تبدو فكرة نقل هذه القدرات المذهلة
إلى البشر ضربًا من الخيال العلمي في الوقت الحالي، إلا أن تاريخ العلم يعلمنا أن
العديد من الاكتشافات العظيمة التي غيرت مسار البشرية بدأت بملاحظات بسيطة على
كائنات حية صغيرة وغير ملحوظة.
الحقيقة الدولية - وكالات