القسم : بوابة الحقيقة
القوة النابعة من الانشغال والضغط النفسي
نشر بتاريخ : 11/19/2016 1:23:36 PM
الدكتور فايز أبو حميدان

بقلم: الدكتور فايز أبو حميدان

عندما ينهض الدكتور علي من نومه يبدأ بالتفكير في عدد العمليات التي سيجريها اليوم؟ وكيف ستكون مواعيد عيادته؟ وكيف سيذهب إلى اجتماع الآباء في المدرسة دون ان يتعارض مع مواعيده الأخرى ؟ وكيف سيقوم بعد هذا كله بمتابعة المؤتمر الطبي وحضور الأمسية العلمية ؟ هذا يوم من أحد أيام الدكتور علي والمليئة بالمواعيد فحالهُ كحال أبو أحمد صاحب مكتب لتأجير السيارات والذي ينهمك في التفكير أيضاً في تجديد رخص المركبات وصيانة بعضها ومتابعة السيارات المعطلة في أماكن مختلفة بالإضافة إلى حضور جاهة لابن أحد أصدقائه المقربين.

إنه الانشغال والضغط النفسي الدائم الذي يتسم بخلل في المزاج يصحبه اضطرابات في السلوك واختلال في التوازن نتيجة عوامل داخلية أو خارجية محيطة تضغط على الفرد فيصبح بذلك كتلة بل ومزيج من المشاعر المتداخلة التي تخلق لديه الضغط النفسي والذي يطلق عليه (Stress) وهو مصطلح ابتكره العالم المجري ذو الأصول النمساوية هانز سيلي ( Hans Selye ) في عام 1926، والذي يعد من أشهر الباحثين الذين تطرقوا إلى موضوع الضغط النفسي.

وهناك اعتقاد خاطئ وشائع بين الناس في وصف هذه الضغوطات والاضطرابات النفسية بأنها حالة مرضية إلا انها في الحقيقة ليست كذلك، ولكن هذا لا يقلل من أهميتها فهي تمثل خطراً على صحة الفرد ويترتب عليها تبعات سلبية كثيرة تؤثر على صحته النفسية والجسمية في آن واحد، وبهذا فإنه يتوجب علينا هنا معرفة كيفية التعامل الصحيح مع هذه الحالة، إذ انه باستطاعتنا نحن ان نجعل هذا الوضع مرضي أو صحي بأنفسنـــا.

فالانشغال والضغط النفسي يسببان لدى الإنسان زيادة في انتاج بعض الهرمونات كالأدرينالين والكورتيزونوالتي تؤدي إلى زيادة تسارع نبضات القلب ورفع ضغط الدم لديه فإذا حدث هذا بشكل بسيط فلا داعي للقلق ولكن إذا زادت الافرازات فإنها تصبح أمـــراً مزعجـــاً ومصدراً للقـــلق وقد تؤدي إلى حدوث تفاعلات كهرومغناطيسية وكيميائية في دماغ الإنسان وبالتالي تضعه في حالة من الخوف والاضطراب العاطفي وعندها يتفاقم الأمر سوءاً ليتحول الى حالة مرضية، فالمدة الزمنية و قوة الضغط النفسي تعد من أبرز العوامل التي تجعله يتحول إلى هذا الشكل، كما أن الجوع والسموم قد تؤدي إلى حدوث حالة من الضغط النفسي أيضاً.

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو ... كيف يمكننا أن نجعل الانشغال والضغط النفسي صديقاً لنا؟؟

هناك محاولات عديدة لكثير من العلماء في إيجاد بعض الجوانب الايجابية لحالة الانشغال والضغط النفسي الدائم، إذ يمكنها ان تعزز قوة الانسان وخبرته في شتى المجالات، وتجعله يتمتع بالإنجازات التي يحققها ويفخر بنجاحاته، وتهبه الطمأنينة والهدوء الداخلي خاصة اذا أوجدنـــا الى جانب الانشغال وقتاً كافياً لممارسة الهوايات المختلفة والأنواع المحببة من الرياضة، فالرياضة تزيد من دخول الاوكسجين الى ميتوكوندريا الخلية مما يجعل إمكانية انتاج الطاقة في الخلية أعلى وبالتالي يتم التخلص من فضلات الخلية خارج الجسم مما يمنحنا الشعور بالراحة.

هذا وقد استوقفني حديث أحد زملائي المختصين في هذا المجال عندما قال لي بانه يجب علينا احترام الانشغال ومداعبته والاستفادة منه ليعطينا القوة والاستمرار في الحياة، وهناك اختلافات واضحة في تعامل الناس مع الضغط النفسي إذ أننا نجد الكثير منهم يتعاملون معه بإيجابية عالية مما يساهم في زيادة الإنتاجية لديهم، واخرون يصنعون منه مرضــاً وعبئــــاً نفسيـــاً يهــدد استقرارهــم الداخلي ويعــكر صفــو حياتهم.

لا شك بأن الانشغال والضغط النفسي الذي يتخلله تغيرات وارتباكات وخلافات وصراعات بات يشكل جزءاً هاماً لا يتجزأ من حياتنا اليومية، بل وله تأثير على نظام المناعة في الجسم كونه يؤدي إلى تجميع وتركيز القوة في اتجاه معين، لذا فإن استمرار الانشغال والضغط النفسي دون فترة راحة يترتب عليه عواقب وخيمة على الدماغ وأعضاء الجسم وخاصة اذا صاحبه انعدام النوم أو قلته.

وبهذا فقد أصبح التعامل معه متطلب أساسي وحاسم في حياتنا، ويوجب علينا ترتيب أولويات متطلباتنا، وتنظيم وقتنـــا بما يضمن إيجاد وقت لممارسة الرياضة والنوم السليم والتي تعد من العوامل الهامة في جعل الانشغال صديق لنا وعدم تحويله إلى حالة مرضية.

جميع الحقوق محفوظة © الحقيقة الدولية للدراسات والبحوث 2005-2023