القسم : مقالات مختاره
مرشح مستقل
نشر بتاريخ : 8/19/2016 11:30:45 PM
د. صبري الربيحات


د. صبري الربيحات

في محيطنا، يكثر الحديث هذه الأيام عن الاستقلال؛ فهناك الصحافة المستقلة، والأحزاب المستقلة، والهيئة المستقلة التي وجدت لتشرف على الانتخابات. وفي بلدنا عشرات المؤسسات المستقلة، وهناك نواب مستقلون. وهناك لجان تشكل لغايات محددة يقال عنها مستقلة. وبعض المؤسسات توصف بأنها مستقلة ماليا وإداريا، وتوجد نصوص في قوانين وأنظمة خاصة بها تشير إلى ذلك.

بالرغم من صعوبة توفر الاستقلال لأي كيان جماعي أو فردي عن غيره هذه الأيام، إلا أن لفظ الاستقلالية ما يزال جذابا وله إيقاع يغري البعض ويشجعهم على استخدامه في سياقات مختلفة. في إحدى المناسبات، أجاب أحد المسؤولين في مؤسسة خدمية عن أسباب ارتكاب المؤسسة لخطأ أثار حفيظة الجمهور، بأنه شكل هيئة تحقيق مستقلة. وفي كل مرة يجابه البعض وضعا يحتاج قرارا أو تصرفا، يجيب بأنه سيشكل لجنة مستقلة. والعديد ممن وضعوا في موقع المسؤولية يعزفون عن اتخاذ أي قرار مهم، فيحيلون الكثير من مسؤولياتهم الإدارية للجان يصفونها بالمستقلة.

في حقيقة الأمر ما أزال أجهل معنى أن تكون استجابة مؤسسة أو مسؤول لقضية في صلب مسؤولياته وعمله مستندة إلى مقترح أو توصيات لجنة مستقلة أو هيئة مستقلة. كما أنني لا أعرف معنى الاستقلال المقصود، ولا أعرف الجهات التي تكون اللجان أو المؤسسات أو الهيئات مستقلة عنها، ولا الغاية من الاستقلالية المزعومة.

في أدبيات السياسة، يعرف الاستقلال بأنه الحق الذي يعطى للفرد أو الجهاز أو الجماعة في تنظيم شؤونها الداخلية بحرية مطلقة من دون التأثر بعامل خارجيّ. ولا يخلو مفهوم الاستقلال من إمكانية انفراد الفرد أو الهيئة أو الجماعة في اتخاذ مواقف أو قرارات بعيدة عن المنطق وفي غير الصالح العام، تحت ذريعة الاستقلال. بصورة عامة، يصعب أن يشهد المرء موقفا أو قرارا لا يتأثر بكم هائل من العوامل والضغوطات والمصالح التي تفرض نفسها، مهما حاول المعنيون تحصينها وحمايتها.

التداخل الذي فرضته العولمة، بأبعادها التكنولوجية والدفاعية والاقتصادية والسياسية والثقافية والأمنية، جعل من الصعب على أي دولة أو جماعة أو لجنة أو فرد أن يحظى بالاستقلال في التفكير أو التدبير. فالجميع يخضعون لضغوطات أصحاب المصالح والقوى.

الاستقلالية التي تتحدث عنها الديمقراطيات الراسخة، ضرورة للحد من تأثير الأحزاب والكيانات التي تمثل المصالح المتعارضة. وهو إجراء يسهم في حماية الإجراءات من سطوة الأحزاب والجماعات والقوى المؤثرة. وفي الحالات التي لا يتوافر فيها التنوع أو التعددية، فإن الاستقلال قد يعني تغريب القرار أو الإجراءات عن التيار العام السائد، أكثر مما يخدم حماية القرار وصيانة موضوعية الإجراء.

ومن غير الممكن أن يكون النائب أو المرشح مستقلا؛ فهو سياسي يسعى دوما إلى نيل رضى ناخبيه. والكثير من الأشخاص الذين يصفون أنفسهم بالمستقلين، أشخاص يختارون هذه الصفة للتغطية على تقلب مواقفهم، أكثر مما يدلل ذلك على الموضوعية والنزاهة والحياد.

في اللهجة الشعبية السودانية وبعض المناطق العربية الساحلية، يعبر اللفظ المستخدم للمرشح أو النائب أو اللجنة المستقلة تعبيرا دقيقا عن بعض الحالات أكثر مما تعبر لهجاتنا. ففي اللهجة السودانية يبدو بعض أصحابنا المستقلين "مستغلين"، ومثل ذلك بعض من يقول إنه مرشح "مستقل"؛ مرشح "مستغل". لا أظن أن إخواننا السودانيين يقصدون ذلك، لكنهم أجادوا الوصف وأحسنوا التعبير.
عن  الغد

kamagra crownlimos.ca kamagra forum
microlite pill weight loss microlite spc microlite pill leaflet
جميع الحقوق محفوظة © الحقيقة الدولية للدراسات والبحوث 2005-2023