القسم : بوابة الحقيقة
التعليم عن بعد.. المشكلة والحل
نشر بتاريخ : 5/12/2020 4:59:15 PM
د. أكرم عبد القادر


لا شك أن جائحة كورونا ألقت بظلالها على كافة مفاصل الحياة، ومن بينها قطاع التعليم بشقيه المدرسي والجامعي، وقد أثيرت العديد من التساؤلات والاستفسارات تبعها مزيد من علامات الاستفهام على جدوى وفاعلية التعليم الالكتروني المتزامن (Synchronous) وغير المتزامن (Asynchronous) إضافة إلى تسليط الضوء على بعض الممارسات المتعلقة بالاختبارات وما رافقها من سلوكيات سلبية تتعلق بالغش في هذه الامتحانات!!! وفي هذا المقال سنحاول تسليط الضوء على كافة هذه القضايا التي باتت تؤرق التربويين وأصحاب القرار وأولياء الأمور والمهتمين بالشأن التربوي من خلال المحاور التالية :

أولاً - هل يمكن إجراء اختبارات عن بعد من دون غش؟!
والإجابة بكل سهولة ويسر : نعم بعد أن تم نشر ثقافة التعليم عن بعد – بفعل ضغط الواقع- سيتـــم التأكيــــد علــى امتلاك ميكروفـــــون (Microphone) وكاميـــــرا فيديـــو (Web Cam) وتحميل برنامج متصفح خاص على الجهاز الذي سيؤدي من خلاله الاختبار ويمنع مشاهدة أية ملفات أخرى باستثناء الاختبار المستهدف إضافة إلى وجود مراقبين حقيقيين من المعلمين ومراقبة عبر تطبيقات الذكاء الاصطناعي ( AI ) وستكون فاعلية المراقبة وضبط هذه العملية أكثر فاعلية من الطريقة التقليدية في مراقبة الاختبارات، حيث سيتم تسجيل أداء الطالب طيلة وقت الاختبار، وتحذيره مرتين قبل حرمانه من متابعة أداء الاختبار. 

ثانياً - كيف يمكن حل مشكلة المختبرات المدرسية؟!
    إن المختبرات الافتراضية تغطي ما نسبته ( 70% ) من التجارب المخبرية المستهدفة حيث يستطيع الطالب أن يجري التجارب الكيميائية والفيزيائية وحتى عمليات التشريح من خلال المختبرات الافتراضية ( Dry Lab ) ويتبقى ما نسبته ( 30% ) من هذه التجارب العلمية يمكن تقطينها من خلال زيارة المختبرات الواقعية.

    وهناك ميزة لهذه المختبرات أنها تمكن الطالب –تفريد التعليم- من إجراء التجارب الخطيرة بصورة آمنة، إضافة إلى أنها ترسي قواعد صارمة في التعامل مع هذه المواد من خلال المحاكاة للواقع في تنفيذ التجارب.

ثالثاً - كيف يمكن زيادة الحيوية والدافعية والإقبال على التعليم عن بعد في ظل إحجام بعض الطلبة عن هذا النوع من التعليم؟
    إن تعريض المعلمين إلى دورات متقدمة في إستراتيجيات التدريس وطرق توظيفها في التعلم عن بعد بصورة تؤدي إلى كسر الجمود وزيادة الحيوية والتفاعل من قبل الطلبة لإتقان المهارات وتحقيق النتاجات المطلوبة.

    فاستخدام إستراتيجية التعلم التعاوني، والتعلم بالمشاريع والعصف الذهني، وحل المشكلات، والاستقصاء، والتقويم التشخيصي كإستراتيجيه تدريس، والدراما، والمحاكاة...، يرفع من سوية التعليم الإلكتروني المتزامن، ويرسي ثقافة إِيجابية لدى المتعلم في الإقبال على التعلم بمتعة وشغف، ويقلل من الرتابة والتقليدية في استخدام إستراتيجية التدريس المباشر كإستراتيجية وحيدة وفريدة في تنفيذ العملية التعليمية التعلمية.

رابعاً - كيف يمكن اختصار وقت التعليم المباشر، وزيادة مساحة التعلم الذاتي في التعلم عن بعد ومراعاة الفروق الفردية؟
    يشكل التعليم المعكوس ( Flipped Learning ) أبرز أدوات التعليم عن بعد ويمثل الإجابة الواقعية والعملية على هذا السؤال؛ حيث يتم تخصيص الحصص الصفية للتفاعل المباشر بين المعلم والمتعلم بعد أن يكون الطالب قد درس الفيديوهات والشروحات التي تم إرسالها مسبقاً من قبل المعلم فيقوم المعلم بإجراء النقاشات والتقويمات القبلية والبنائية والختامية في هذه الحصص، ويؤكد المعلومات والمهارات التي تعلمها الطالب، ويجيب على استفسارات الطلبة ويناقش المشاريع والواجبات البيتية التي تم إنجازها، مراعياً الفروق الفردية بين المتعلمين.

    وهذا النوع من التعليم يجمع ما بين التعليم الإلكتروني المتزامن وغير المتزامن ويعزز القدرة لدى المتعلم على الحوار والنقاش وتوظيف التفكير الناقد، والتعلم الذاتي، وتتنوع فيه الأنشطة والوسائل التي تزيد من دافعية الطلبة وإقبالهم على التعلم بكل حيوية ونشاط.

خامساً - إذا استمرت جائحة كورونا فهل سيكون التعليم عن بعد  بديلاً عن التعليم التقليدي؟
    إن الحياة ستستمر، وأبرز مظاهرها ديمومة التعليم والتعلم، والتطبيع الاجتماعي مهمة المجتمع وأدواته في ذلك المدرسة والجامعة والإعلام..، وهنا لا بد من تطوير الآليات والبنى التحتية في مدارس القطاع العام والخاص، وتأهيل المعلمين والإداريين لمواجهة سيناريوهات المستقبل في ظل انتشار هذا الوباء وما بعد انحساره، بحيث يتم سن التشريعات والقوانين لهذا النوع من التعليم، وزيادة المساقات الدراسية لطلبة الجامعات، وكليات المعلمين، والبرامج التربوية التي تعالج إستراتيجيات وأدوات ووسائل هذا النوع من التعليم، ونشر الثقافة المجتمعية لتقبله، وتهيئة مؤسسات المجتمع لاعتماده والعمل على تطويره في ظل الثورات التقنية المتعاقبة وما أنتجه من مستحدثات تقنية ومستجدات علمية تعالج احتياجات المجتمع والتحديات التي سيفرزها الواقع الحالي والمستقبلي.

    وأخيرا إن التعلم الذاتي والتعليم عن بعد قدر لا خيار، ينبغي على مؤسسات الدولة عموماً والمؤسسة التعليمية خصوصاً تهيئة المجتمع للتعايش والتفاعل مع الثورات التقنية المتلاحقة، ومخرجاتها المتنوعة على كافة مفاصل الحياة، وعلى رأسها التعليم الالكتروني في حقبة الذكاء الاصطناعي وفي ظل انتشار وباء كورونا وما بعده.

جميع الحقوق محفوظة © الحقيقة الدولية للدراسات والبحوث 2005-2023