حسين الرواشدة
لماذا اصبح الحوار مقطوعا في مجتمعنا؟ ولماذا يتحول - حين نستدعيه - الى حوار طرشان؟ هل لدينا ازمات عصية على الحل بالحوار؟ هل اصبحت الابواب مسدودة امام اي تفاهم؟ هل تعطلت “لواقط” المجتمع عن استقبال اي رأي آخر؟
لا ادري، ولكنني اعتقد بأن كل ما نعانيه ونشكو منه هو نتيجة لغياب “منطق” الحوار،وشيوع ثقافة “المناكدة” والمناكفة، والتفنن في انتاج مشروعات متجددة “للأزمة” بحيث يشتبك الجميع مع الجميع، وينشغل الكل بالكل” وندور في حلقة مغلقة وفارغة، ونتصور بأن ثمة رابحين وخاسرين فيما الحقيقة ان مجتمعنا كله هو الخاسر، واننا - جميعا - ضحايا لصراعات غير مفهومة ولا منتجة ولا ضرورية، واسرى لحالة يغيب فيها الروح والوعي، هذان اللذان لا ينبضان الا بوجود الحوار الذي هو اساس الحياة.
لا نحتاج - بالطبع - الى شواهد للتدليل على ما اصاب مجتمعنا بسبب “انقطاع” الحوار بيننا، فالعنف الذي نتابع فصوله، على صعيد المشاجرات بين الصغار والكبار، او السجالات “المفخخة” بين النخب او الصراع على الادوار والمواقع.
هو نتيجة طبيعية لمنطق الانكفاء الذي نتعامل به مع بعضنا البعض والقطيعة التي نحزنا لها على حساب التواصل والتناغم والانسجام وهو نتيجة - ايضا - لمناخات التوتر والتشكك والتلاوم التي افرزتها اوهام البحث عن الحلول في سياقات “المغالبة” لا المشاركة والتفتت لا الوحدة والمصادمة لا الحوار، والتركيز على الفروق وتضخيمها بدل الجوامع والمشتركات.
في مرات عديد جربنا “صيدلية” الحوار، ووجدنا فيها ما نحتاجه من “ادوية” لأمراضنا ومشكلاتنا، وفي مرات عديدة دفعنا ثمن افتقاده وتغييبه وانقطاعه، وكان - بوسعنا - بعد هذه التجارب ان نتعلم من دروس النجاح والفشل، وان نتوجه الى “الاستثمار” في الحوار كقيمة مثمرة، لكي نحسم كل الاسئلة التي تتردد في انحاء مجتمعنا، وكل القضايا التي تشغلنا بأجوبة مقنعة ومصارحات وتفاهمات تفضي الى مصالحات حقيقية تجنبنا غوائل الانسدادات والانفجارات التي ينتجها “الضغط” او الشد المتبادل داخل الجسد الواحد.
يصعب عليّ ان اتصور ما فعلناه بأنفسنا، وما يمكن ان يصيب مجتمعنا حين اسأل: لماذا انقطع الحوار بيننا فلا اسمع صدى اجابة او شبح مجيب.
نحن اليوم احوج ما نكون للحوار، الحوار الذي يبدد مخاوفنا وشكوكنا من بعضنا، ويؤسس لمنطق تعاملنا الصحيح مع قضايانا، ويحسم الاسئلة التي تزدحم في اذهاننا باجابات واضحة، ويعيدنا الى دائرة “العقل” وصواب الفكرة ومبدأ “رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأيك خطأ يحتمل الصواب” او مبدأ “اخالفك ولكنني مستعد لان اموت دفاعا عن رأيك” او مبدأ “ادفع بالتي هي احسن”.
ونحن -ايضا - احوج ما نكون الى الامل، هذا الذي يفتح امامنا ابواب الحياة، ويجدد حيويتنا للعمل، ويدفعنا الى البحث عن الفضيلة والصواب، ويعيد الينا ثقتنا بأنفسنا وبالاخرين.
الامل هذا حين يكون “منتجا” وفاعلا لا مغشوشا او مجرد طلاء هو الذي يجعلنا نحس بأنسانيتنا ويخفف عن ارواحنا اثقالها ويحرر ضمائرنا من حساباتها ويطمئن مجتمعاتنا على عافيتها واستقرارها.
رغم كل شيء، ما زلت - وسأبقى - مؤمنا بالحوار وبالامل ولن تدفعني الخيبات الى الاحساس باليأس او الاحباط، ولا كثرة القرارات والمقررات الى الاستقالة من هذه الدعوة، او الانسحاب من تحت اشجارها الظليلة التي هي وحدها التي تقينا حرارة هذا الصيف القائظ واتمنى من القارىء العزيز ان يقبل اعتذاري اذا خالفته الرأي.. فالاختلاف لا يفسد للود قضية.
عن الدستور