بقلم: حسين الرواشدة
ما هي تقديرات الدولة الأردنية
لمسارات الحرب على غزة ؟ أقصد المدى الذي يمكن أن تستمر إليه، وإمكانية توسعها
إقليميا بشكل أو بآخر، ومن يحسم نتيجتها، وكيف؟ والأثمان السياسية المطلوبة
لوقفها، ثم ما الدور السياسي الذي يمكن للأردن أن يقوم به في إطار مبادرات وقف
الحرب، أو ترتيب ما بعدها ؟ وكيف سيتعامل، لاحقا، مع اطرافها الأصلاء أو البدلاء،
ومع الوقائع الجديدة التي ستفرضها في فلسطين أو خارجها ؟ هل بدأنا بوضع سيناريوهات
ومقاربات تجيب على هذه الأسئلة، وفق معادلة الاحتمالات والاستشرافات، بما يخدم
مصالح الدولة العليا، ويحدد خياراتها الممكنة، ضمن سياق إمكانياتها أيضا؟
لا يوجد لدي معلومات تنفي أو تؤكد، ما
اعرفه، تماما، أن مراكز الدراسات التي يُطلب منها، في العادة، أن تُقدم مجموعة من
الأفكار حول قضايا استراتيجية، لم تَطرح مثل هذه الأسئلة على أجندة حواراتها في
الجلسات المغلقة حتى الآن، كما أنها لم تبادر إلى ذلك، ما أعرفه، أيضا، هو أن
النخب السياسية المحسوبة على إدارات الدولة، بحكم تجربتها السياسية، أو علاقاتها
مع دوائر صناعة القرار، لم يُطلب منها، أو يصدر عنها أي تصورات أو «تقدير موقف «،
لكن هذا لا يمنع، أبدا، أن تكون إدارات الدولة المعنية قد بدأت فعلا، أو ربما
انتهت، من تجهيز توقعات وإجابات لمثل هذه الأسئلة، وأتمنى أن يكون ذلك حصل فعلا.
مع ذلك، لا بأس من توجيه النقاش العام
حول هذه القضايا التي تشكل قواعد أساسية لحركة الدولة الأردنية في المرحلة
القادمة، واجب الأحزاب والطبقة السياسية أن تساهم في هذا النقاش، ومهمة الإعلام أن
يخصص جزءا من تغطياته للحوار حول هذه الموضوعات، المهم أن نتحرر من حالة تقمص
الحرب، أو أي طرف فيها، ومن انفعالاتنا وحساباتنا الخاصة، ومن الصراع على من يكسب
في الشارع أكثر، لكي تصب اجتهاداتنا في مصلحة الأردن أولا، ولكي نكون رديفا
للدولة، لا عبئا عليها.
لا أخفي أنني حاولت، على امتداد
الأشهر الثلاثة الماضية، أن أقدم بعض الإجابات على هذه الاسئلة، وأعتقد أنها وجدت
ما يلزم من احترام وتوافقات، مع اصرار كثيرين ممن التقيتهم أو سمعتهم على أن تبقى
في إطار « المسكوت عنه» في هذه المرحلة، فيما قوبلت من أطراف أخرى، ربما لم تدرك
المقصود مما كتبت، بردود قاسية، ناهيك عن المزايدات التي ألفنا سماعها من «أباطرة»
النضال الذين لا يجدون إلا الصراخ، ما علينا، الآن حال الوقت لنفكر بجدية وصدقية
وعقلانية بمصالح الأردن وأولوياته، في إطار العدوان وما بعده، وفي سياق خرائط
سياسية بدأت تتشكل، وأعتقد أن بلدنا أحد الأطراف المستهدفين منها، أو المعرضين
للتهميش فيها، وهذا يستدعي أن نبادر إلى تعريف مصالحنا وأدوارنا وخياراتنا، بحزم
ودقة وشجاعة.
ربما تكون هذه المرة الأصعب التي
تتحرك فيها الدولة الأردنية، منذ تأسيسها، وسط بيئة «عدائية»، جغرافيا وسياسيا واستراتيجيا،
وتجد نفسها وحيدة في مواجهة عواصف من كل الجهات، هذا يفرض على الأردنيين، في مواقع
المسؤولية وخارجها، أن يتوحدوا لمواجهة الخطر، وإعداد وتجهيز «الذات الوطنية «
لحماية بلدهم، والحفاظ على دولتهم. المسألة تحتاج إلى ما هو أبعد من الهتافات
والشعارات والكلام الذي نسمعه الآن، إدارات الدولة ونخب المجتمع معا مسؤولة عن
انضاج حالة وطنية أردنية مدركة، تماما، لحجم الأخطار، ومقتنعة بما تقوم به، وجاهزة
للوقوف مع خيارات الدولة مهما كانت، والدفاع عنها حتى النهاية.
عن الدستور