بقلم: د. هايل ودعان الدعجة
دائما ما يكون مجلس النواب في الواجهة عند التعاطي مع التحديات المختلفة التي تفرض نفسها على المشهد الوطني ، كالاوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية الصعبة التي يعاني منها المواطن في هذه الفترة ، انطلاقا من الدور الرقابي المنوط بالمجلس ، وبطريقة تجعل الجميع تقريبا يحملون المسؤولية للنواب ، دون الوقوف عند الجو العام الذي يحيط بتشكيلة المجلس ، والذي ربما يكون المسؤول عن افراز مجالس نيابية متقاربة او متشابهة في أدائها ، إن لم تكن تعيد نفسها طالما الغالبية العظمى من المرشحين تخوض الانتخابات بصورة فردية ، بعيدا عن اي مرجعية مؤسسية تنظيمية جماعية كالمرجعية الحزبية ، لنضمن تمثيلا حزبيا برامجيا تحت قبة البرلمان ، بحيث يكون الانتخاب على أساس برامجي وليس فرديا ، وبالتالي نضمن وجود مرجعية تنظيمية تحاسب النائب على أدائه ، اذا لم يلتزم بالبرنامج الذي انتخب على أساسه . الامر الذي من شأنه تحصين الأداء البرلماني وجعله عصيا على الاختراق من قبل الحكومة ، التي اعتادت على التعامل مع النواب بشكل فردي ، وبما يضمن تمرير قراراتها وسياساتها مستغلة عدم وجود مرجعية مؤسسية يمكن ان تحاسبهم او يرجعوا لها .
وتزداد الأمور تعقيدا ، عندما ندرك صعوبة الوصول الى حالة متقدمة في مسيرتنا الإصلاحية في ظل غياب الفرص الحقيقية امام تطور الحياة الحزبية ، بصورة من شأنها رفد البرلمان بعناصر حزبية قادرة على الانتقال بالاداء النيابي الى مراحل متقدمة . وهو ما يعكسه العدد الكبير للاحزاب الذي يفوق الحاجة ، في مقابل تراجع او ثبات اعداد المواطنين المنخرطين بالعمل الحزبي . ما يمكن اعتباره من اهم المعوقات التي تقف في طريق مسيرة الإصلاح التي يقودها جلالة الملك عبد الله الثاني ، الذي يدعو الى تشكيل حكومات من الأحزاب التي لديها برامج ، وهو ما أكد عليه جلالته عندما التقى مجموعة من الطلبة في كلية الأمير الحسين بن عبد الله الثاني للدراسات الدولية في الجامعة الأردنية الأسبوع الماضي .
ولكن على ما يبدو ان واقعنا السياسي قد تأطر في هذا الحجم وهذا المستوى ، الذي فرض على الأحزاب الأردنية الظهور بهذا الشكل المتواضع على الساحة السياسية ، رغم استئناف المسيرة الحزبية 1992 بعد ان كانت معطلة منذ عام 1957 ، ورغم التعديلات التي طرأت على قانون الأحزاب السياسية . ما يجعلنا نميل أكثر الى الرهان على الكتل النيابية كحل بديل او تعويضي عن غياب التمثيل الحزبي بشكل يعتد به في المشهد البرلماني ، كأمر واقع مع كل أسف وذلك رغم ما يعتري العمل الكتلوي في المجالس النيابية من ضعف وهشاشة بسبب غياب الانسجام الفكري والسياسي بين أعضائها ، الذين وجدوا انفسهم مضطرين الى تشكيل كتل لتحقيق مكاسب نيابية على مستوى الرئاسة والمكتب الدائم واللجان في المجلس . حيث أكد جلالة الملك على وجود كتل يمكن ان تلعب دور الأحزاب ، اذا ما تم تطويرها وتحويلها الى أحزاب تعمل وفقا لبرامج خلال مدة الثلاث سنوات المتبقية من عمر مجلس النواب الحالي .
واذا ما انتقلنا الى محطة أخرى من المحطات التي يمكن اعتبارها مسؤولة عن تواضع الأداء النيابي ، فاننا سنجد ان هناك حاجة للوقوف عند محطة المواطن الذي اما انه تخلى عن دوره في ممارسة حقه الانتخابي في اختيار من يمثله تحت قبة البرلمان ، كما تعكسه نسبة الاقبال الضعيفة على المشاركة في الانتخابات او قبوله الانجرار خلف المال الأسود الذي جعل منه ( ناخبا ) مجرد من الحس الوطني والمسؤولية الوطنية ، ليساهم في كلا الحالتين بتشكيلة المجلس ، ويقع ضحية دوره السلبي في التعامل مع احد اهم اركان النظام السياسي ممثلا في المؤسسة البرلمانية التي تنوب عنه في التعاطي مع الملفات والقضايا التي تهمه . فيصبح المسؤول الأول والأخير عن مخرجات الأداء النيابي ، التي لن تكون في المستوى المطلوب بالضرورة بعد ان تخلى هذا الناخب عن دوره في تكوين البرلمان الذي ينوب عنه في إقرار القوانين والتشريعات ومراقبة أداء الحكومة واعمالها وسياساتها التي ستنعكس عليه .
لقد جاء التوجيه الملكي في الحوار الذي جرى في الجامعة الأردنية ، للشباب الذين يعول على دورهم في قيادة مسيرة الإصلاح والتطوير والتحديث بضرورة الانخراط بالعمل السياسي وإدارة الشأن العام من خلال ايصال صوتهم وممارسة الضغط على المسؤولين والحكومة والنواب ، بما يضمن وضع أداء المؤسستين التنفيذية والتشريعية في المسار الصحيح . ما يتطلب من الشباب المشاركة في الانتخابات كناخبين او مرشحين لضمان مشاركتهم في عملية صنع القرار واحداث التغير المنشود . إضافة الى الدخول في حوارات ونقاشات تثري المشروع الإصلاحي الوطني بالافكار والطروحات القيمة .