بقلم: د. هايل ودعان الدعجة
ليس بغريب ان يصبح الأردن حديث المنطقة والعالم ، وهو يفرض خصوصيته التعاملية مع الاحداث غير المسبوقة التي فرضت نفسها على المشهد الإقليمي ( والدولي ) خلال السنوات الاخيرة ، بصورة جعلته موضع احترام وتقدير الاسرة الدولية ، التي أخذت تنظر له باعتباره نموذجا ومعيارا للحكم على مدى قدرة دول المنطقة تحديدا في تجاوز التحديات والظروف التي يعاني منها الإقليم . وبدا ان الأردن الذي يفتقر الى الموارد والإمكانات المادية ، قد أمتلك أدوات ومصادر قوة تعويضية ، تجل تأثيرها وفاعليتها في حضوره المشهود في الساحة العالمية ، بفعل دبلوماسيته الفذة التي يقودها جلالة الملك عبد الله الثاني ، والتي وضعت الأردن على خارطة السياسة العالمية ، ووعي مواطنه الذي شيد بوطنيته جبهة داخلية عصية على الاختراق ، عندما قدم للعالم درسا في كيفية ترتيب الأولويات ، وبما يتماهى مع أمنه ومصالحه ، وجعل منها بوصلته الوطنية في مواجهة التحديات والمخاطر ، لتشكل في مجملها عناصر قوة الأردن ووحدته وتماسكه . تأكيدا لما قاله جلالة الملك .. "وعند المحن تظهر أصالة المعادن ، ومعدن الأردنيين هو الاصفى والانقى والاغلى ، ينصهر ويتحد في أتون الازمات " .
عزز من هذه الصورة الاردنية التعبيرية التضامنية ، وجود أجهزة أمنية وعسكرية حرفية ومهنية وعلى درجة عالية من الجهوزية ، أمكنها تحقيق إنجازات ونجاحات نوعية مشهودة ، جعلت من الأردن واحة أمن واستقرار وسط هذا الإقليم المضطرب ، الذي اخترقته قوى الشر والظلام ، وحولته الى مسرح لعملياتها الإرهابية والاجرامية . في الوقت الذي عجزت فيه عن اختراق القلعة الأردنية المسيجة بمنظومة أمنية محكمة ، باتت حديث العالم في قدرتها الفائقة على كشف اوكار العصابات الارهابية وضربها في مهدها وبشكل استباقي قبل ان تختمر فكرتها الظلامية ، وتكتمل عناصر مخططها الاجرامي ، ويصبح معدا للتنفيذ ، تجسيدا لمفهوم العمل الاستخباراتي النوعي والحرفي ، وتوظيفه في تتبع المعلومة الأمنية لتعزيز الامن الوطني وتحصينه . الامر الذي تجلى في الإنجاز البطولي ، الذي سطره فرسان الحق من نشامى المخابرات العامة باحباطهم بجهد استباقي ، وبعد متابعة استخباراتية نوعية ودقيقة ، مخططا إرهابيا كبيرا يهدف الى اثارة الفوضى وزعزعة امن الوطن واستقراره ، خططت له خلية إرهابية مؤيدة لتنظيم داعش خلال شهر تشرين الثاني الماضي . ما يجعلنا نعود بذاكرتنا الى ما سبق وان قاله الباحث الفرنسي المختص بشؤون الجماعات الإسلامية إوليفيه روا على وقع العمليات الإرهابية التي شهدتها فرنسا قبل فترة في الوقت الذي نجح فيه نشامى المخابرات العامة واجهزتنا الأمنية في كشف خلية اربد الإرهابية ومداهمتها وتفكيكها حيث قال .. "بان الأردن قد أحبط عملا أرهابيا في مهده ، لا حتى قبل ان يولد ، وقبل استجلاب الإرهابيين لوازمهم اللوجستية ،وبجهد ذاتي تام .. اليوم نجح الأردن وحده وفشلت فرنسا " .
الامر الذي دفع أطرافا دولية وإقليمية وفي مقدمتها روسيا ودول التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة لمحاربة الإرهاب في المنطقة ، الى التعاون والتنسيق مع الأردن للاستفادة من خبراته وتجاربة في ظل الدور المحوري الذي يلعبه في المنطقة ، والمعلومات والبيانات الأمنية والاستخباراتية التي يمتلكها ، إذ يقف في طليعة الجهود الدولية في محاربة الإرهاب ، حيث طلبت منه هذه الاطراف اعداد قائمة بأسماء التنظيمات الإرهابية في ظل خبرته ومعرفته وقدرته على التمييز بين الفصائل الإرهابية والفصائل المعتدلة بهدف وضع ترتيبات خاصة بالملف السوري . وقد سبق لروسيا ان تواصلت مع الاردن بشأن تنسيق العمليات العسكرية لمحاربة الإرهاب في سورية من خلال انشاء ألية تنسيقية خاصة بهذه الغاية . إضافة الى دعوتها الأردن الى المشاركة في مباحثات أستانا بصفة مراقب .