بقلم: المحامي علاء القصراوي
أيها السادة الكرام، إننا في زمنٍ ساد في النفاق، وكُبِّلت الأعناق، وإنعدم الوفاق، وإبتعد فيه الرفاق، فزاد وإستفحل الشِقاق والإنشقاق.. حكمتنا المادة والشهوة، وبات إحساسنا في حالة سُبات، حتى أصبح جَمعُنا كالشَتات، ولم يبقى من ذواتنا غير الفُتات !
ذبُلت الورود، أُخلفت الوعود، نُكّثت العهود، أُستبيحت العروض، فإزداد الألم ووصلنا لحالة الندم ! فجفّ الريق، وإنطفأ البريق، وهرب الصَديق، وإنحلّ الفريق، وضلّ الغالبية عن الطريق، وإختلط الحابل بالنابل، وفاز المُحتال والفاجر، وإحترنا من المأمور ومن الآمر !
لماذا الظلم أيها البشر ؟! لماذا يا ربي هذا القهر ؟! أين الملجأ.. أين المفر ؟! الدمع من العيون إنهمر.. وفي القلب شيءٌ ما إنكسر، عَجبتُ من أمر هذه الدنيا، عَجبتُ من أمر هؤلاء البشر ! ماتت ضمائرنا.. أُخرست حناجرنا.. قُطّعت روابطنا.. شُوّهت عقائدنا.. زُيّفت مبادئنا.. أُحبطت هممنا !! أوليس للحق من منتصر ؟! أوليس للمظلوم من منتقم ؟!
هكذا أصبحنا.. كبقايا إنسان، بقايا ضمير، بعضٌ من حنان.. وكثيرٌ من خُذلان، تَجرّدنا من قلوبنا.. ولإبليس أطلقنا العَنان، فَصِرنا كرواية من سالفة الأوان، من زمنٍ بعيد، منذ أنْ أُعلن الرحيل، ودَقت أجراس الهجران.. هجران الروح، وغياب الأخلاق، وبداية ذلك الزمان، زمنٌ كئيب يُدرّسُنا فيه الشيطان كيف نحيا بثياب إنسان، كيف نُخفي الشر ونظهر الخير للعيان، نخدع من نريد بمعسول الكلام.. ونُرهقُ المشاعر دون حسبان !
لا يا سادة.. لا أبالغ في الوصف ولا أخفي عنكم هذا البيان ! من عهدنا ذهب الأمان، وإبتعدنا منذ زمن عن القرآن، وإستبدلنا القلب بحجر صُوّان، وأرهقت الروح بالنكران ! نعم.. النكران، نكران الفضائل، نكران ما أنعم الله علينا به من الحنان، فلم يعد يعلم القلب ما الإيمان.. ولم تخالط الروح فكرة الإحسان، فأَذعنّا لنداء الطغيان.. وهلّلنا للنفس بالشهوات.. وإستقبلناها بالأحضان، حتى قتلنا كل ما في النفس من معنى "إنسان" !.
الزمن يدور.. ويدور، الشاهد أعمى، والسامع أصم، والقارئ أبكم، زمن يُغشيه الظلم، فلابد من الجزم.. أنه زمن الظلم، الحق لسانٌ مكتوم.. مدفونٌ تحت القبور !!
تبّاً لمن في هذا الزمان، الذي صارت فيه الدجاجة تصيح.. ولم يعد للذكي فيه مكاناً، الأحمق لبيباً فصيح.. مات الضمير، والأخلاق إندثرت وقلّ الحياء وساد القبيح.. تغيرت النفوس والقلوب تحجرت وصار في الفسق يحلو المديح.. أصبح المال للناس إلهاً، وباتوا في حُبه حمداً وتسبيح.. حين يكون الوضيع فقيراً تراه ذليلاً منكسراً جريح.. فإذا ما أصبح غنياً موسراً صار كالديك يغدو ويروح.. أما الجاهلون من الناس فإنهم يميلون كيفما مالت الريح.. يقول القوي إن لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب أو جعلتك ذبيح.. ويقول الضعيف غداً سيأتي زمان العدل ويصح الصحيح.. ولكني ليت كلامي لستُ أرى في الأفق بادرة خير تلوح.. لست أرى إلا ذئاباً تنهش الأجساد ونساءً تبكي وتنوح.. لست أرى إلا ظلماً وجوراً وصغاراً من الآلام تصيح.. لقد أصبحت الدنيا ظلاماً وضاق على رحبه الكون الفسيح.. وطال عهد الظالمين وغدت رائحة الموت في كل ركنٍ تفوح.. عفوك ربي أرسل من لدنك رحمة أو عجِّل بالفناء لعلنا نستريح من الظالمين وتستريح..