بقلم: د. مصطفى البرغوثي*
تلقت الادارة الأميركية وإسرائيل صفعة مدوية في أروقة الأمم المتحدة بسبب قرارها المجحف الإعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ولم تفلح تهديدات كيلي ورئيسها ترامب بإستخدام الإبتزاز المالي في تغيير نتائج التصويت لصالح فلسطين.
وتجلت عزلة إدارة ترامب وإسرائيل بشكل جلي أولا في تصويت مجلس الأمن عندما وقفت الولايات المتحدة وحيدة ومعزولة ضد جميع أعضاء مجلس الأمن الأربعة عشر بما في ذلك حلفاء أميركا التقليديون كبريطانيا وفرنسا وألمانيا، وثانيا في الجمعية العامة للأمم المتحدة بتصويت 128 دولة لصالح فلسطين مقابل سبع دول فقط إلى جانب أميركا وإسرائيل، أغلبها جزر صغيرة لا تعني شيئا كمايكرونيزيا وجزر مارشال.
عزلة إدارة ترامب أظهرت مدى رعونة قراره حول القدس، ولكنها كشفت أيضا نهاية حقبة القطب الواحد، التي بدأت عام 1990 بعد انهيارالاتحاد السوفياتي وسيطرت خلالها الولايات المتحدة ، ودخول العالم حقبة جديدة تتميز بتعدد الأقطاب، بكل ما يعنيه ذلك من تغيير في العلاقات الدولية، و تعاظم النزعة الانعزالية في الولايات المتحدة.
غير أن الأمر الأهم بالنسبة لنا كفلسطينيين هو كيفية البناء على ما تحقق من إنجاز بفضل إنتفاضة المقاومة الشعبية المتصاعدة في فلسطين، و بفضل النجاحات الدبلوماسية في أروقة الأمم المتحدة ، التي يجب إتباعها بسلسلة من الخطوات لتعميق عزلة سياسية الاحتلال الإسرائيلية وتغيير ميزان القوى لصالحنا.
وحيث أن محكمة الجنايات الدولية قد أقرت في هذا الشهر، بعد طول عناء وإنتظار، أن الإستيطان جريمة حرب، فقد فتح الباب على مصراعيه أمام منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية لإحالة مجرمي الحرب الإسرائيليين المشاركين في جريمة الإستيطان إلى هذه المحكمة فورا.
وتنطبق هذه الإحالة على كل من تورط من المسؤولين الإسرائيليين في جريمة الإستيطان من نتنياهو الى وزير حربه ليبرمان، إلى وزراء الإستيطان ومدراء الدوائر ومسؤولي المستوطنات ومجالس المستوطنات، إلى وزير المالية وكل الجهات الحكومية وغير الحكومية الإسرائيلية والأجنبية التي تمول الإستيطان.
وبغض النظر عن المدة التي ستأخذها المحكمة في النظر في قضية كل متورط في جريمة الإستيطان، فإن الإحالة ستجعلهم في حالة إرتباك كامل فورا، وستحرمهم من السفر إلى معظم البلدان وتقيد حرية حركتهم، وكأنهم يتعرضون لنوع من الإعتقال أو الإقامة الجبرية. وذلك شكل من أشكال المقاومة السياسية التي تضع الخصم في حالة حيرة كاملة، وتساهم في تغيير ميزان القوى لصالح الشعب الفلسطيني.
لقد قررت اللجنة الوطنية لمتابعة موضوع محكمة الجنايات إتخاذ إجراءات الإحالة إلى المحكمة منذ شهر تشرين الثاني من العام الماضي 2016. وللأسف تأخر تنفيذ ذلك القرار كثيرا بحجج مختلفة وغير مقنعة.
والآن وبعد قرار محكمة الجنايات الدولية إعتبار الإستيطان جريمة حرب، وبعد ما أقدمت عليه إدارة ترامب بشأن القدس، وبعد الوقاحة التي أبداها مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة بقوله " أن قرارات الجمعية العمومية مكانها سلة المهملات" ، لم يعد هناك أي مبرر لتأخير أو تأجيل إحالة مجرمي الحرب الإسرائيليين إلى محكمة الجنايات الدولية.
ما شهدناه يوم الجمعة الماضي من بطولات شعبية رائعة بمشاركة الآلآف في كل مدن الضفة والقطاع، وخاصة في مدينة القدس الباسلة، يؤكد أن إنتفاضة المقاومة الشعبية لا تتراجع بل تتصاعد، وقد إكتسبت في هذا الأسبوع زحما اضافيا بفضل نجاحاتنا في الأمم المتحدة، ولا بد من إسناد هذا العطاء الشعبي النبيل الذي قدم حتى اليوم ثلاثة عشر شهيدا وأكثر من أربعة آلاف جريح، بخطوات ونهج سياسي حازم ومقدام، وبإستراتيجية وطنية بديلة.
وأفضل المؤشرات على ذلك سيكون حسم موضوع محكمة الجنايات الدولية وإحالة مجرمي الحرب الإسرائيليين وأعوانهم إليها .
*الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية