بقلم: د. ناصر محمود الصوير
مما لا شك فيه أن حجم المعارضة والرفض الذي جاء احتجاجاً على قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس والاعتراف بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل أصاب الإدارة الأمريكية بالصدمة والذهول والتخبط وليس أدل على ذلك قيام وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون بمحاولة تهدئة وتلطيف الأجواء من خلال الإعلان بأن نقل السفارة لن يبدأ قبل عامين من اليوم، وكأنه يحاول توصيل رسالة للفلسطينيين والعرب والمسلمين بأن القرار ليس قطعياً وتنفيذه ربما يصبح بعيد المنال.
ولعل المفاجأة التي لم تتوقعها الإدارة الأمريكية الموقف المعارض لمجموعة من الدول تدور في فلك الولايات المتحدة الأمريكية وتعتبر من أكثر الدول تحالفاً معها مثل فرنسا وبريطانيا كندا ومعظم دول الاتحاد الأوروبي التي رفضت جميعاً القرار جملةً وتفصيلاً، هذا بالاضافة للرفض العارم للقرار من قبل عدد كبير جداً من دول العالم.
والذي زاد الأمور على الولايات المتحدة الأمريكية تعقيداً هو الخشية من قيام دول مثل تركيا وإيران باستغلال هذه القضية لتأسيس تحالفات جديدة ضد السياسات الأمريكية الإسرائيلية وتشكيل أقطاب جديدة تعمل ضد مصالح أمريكا وإسرائيل؛ خصوصاً في ظل وجود فرصة حقيقية لتأسيس مثل هذه التحالفات العربية والإسلامية الجديدة بقيادة تركيا بسبب الإجماع التام على رفض قرار ترامب بخصوص القدس، وما تحمله القدس من رمزية دينية كبيرة جداً على مستوى جميع مسلمي العالم.
دون شك أعاد القرار الأمريكي للقضية الفلسطينية على المستوى الدولي زخمها رغم محاولات إسرائيل والولايات المتحدة تهميشها ووضعها على رف القضايا الدولية منذ سنيين، أما على المستوى الداخلي الفلسطيني فقد عادت الكرة للشعب الفلسطيني مرة أخرى وأصبح في ظل هذه القضية اللاعب رقم واحد في الحلبة وبات واضحاً أن قطبي الحياة السياسية الفلسطينية يستجدون تأييده وتعاطفه. كما بات واضحاً أن قرارات ترامب بشأن القدس ستؤدي إلى تغيير جذري في الخارطة السياسية الفلسطينية وستسرع في إنهاء الانقسام الفلسطيني وإتمام المصالحة لمواجهة التحديات الماثلة.
بكل تأكيد أن إسرائيل لن تقف مكتوفة الأيدي حيال ما يدور على الأرض وستحاول جر المقاومة الفلسطينية لحرب دامية مما ينذر بأن الأيام القادمة ستشهد تصعيداً خطيراً في الضفة والقطاع ستؤدي إلى مواجهة مباشرة بين الأجنحة الفلسطينية المسلحة وإسرائيل قد تفضي إلى حرب رابعة ستشنها إسرائيل تحديداً على غزة ، وهو ما يعني أن الأجنحة العسكرية الفلسطينية ستكون مجبرة لخوض مواجهة عسكرية مباشرة مع الاحتلال إذا ما استمرت المواجهات الشعبية وارتفعت أعداد الشهداء والجرحى.