بقلم: د. هايل ودعان الدعجة
تتعامل روسيا مع الازمة السورية على انها بمثابة فرصة تاريخية مكنتها من استعادة مكانتها الدولية ، ولا تريد ان تفرط بها ، وهي تسعى الى توظيفها الى اقصى حد ممكن ، خاصة عندما لاحظت ان طريق التدخل في الملف السوري كان سالكا ، ولم يتم اعتراضه من قبل أي من الأطراف الدولية وتحديدا الولايات المتحدة ، التي تنفرد بقيادة المنظومة العالمية ، وتتصرف في منطقة الشرق الأوسط بصورة أحادية وكأنها تحتكرها . هذا ما فهمته روسيا من الإشارات المتعددة التي أرسلتها اميركا في هذا الاتجاه من خلال تدخلها المتكرر في ملفات المنطقة في العراق وأفغانستان وسورية . عدا عن الاشارات الأخرى المرسلة الى روسيا مباشرة ، ممثلة بالتدخل الأميركي ( والغربي ) في جوارها وفضائها وتوسع حلف الناتو شرقا وفرض عقوبات اقتصادية عليها على خلفية ضمها لشبه جزيرة القرم وتدخلها في شرق أوكرانيا .
وعلى ما يبدو ان ملف الازمة السورية جاء بصورة مغايرة لما كانت تتوقعه روسيا التي وجدت نفسها في قلب الحدث السوري وتتحكم باوراقه بعد تدخلها العسكري وقلبها موازين القوى لصالح حليفها النظام السوري الذي كان على حافة السقوط لولا هذا التدخل . وبدا ان روسيا باتت تفكر بالذهاب بعيدا في اقتناصها لهذه الفرصة الثمينة من خلال إصرارها على الظهور بشخصية المنتصر في المشهد السوري عبر التحكم بكل ما له علاقة بتفاصيله عسكريا وسياسيا ، لاستثمار ما حققته وفرضته من حقائق مادية على الارض . حيث قادها تفكيرها الى الانقضاض على مسار جنيف الذي ترعاه الأمم المتحدة بعد تراجع الاهتمام الدولي والأميركي به من خلال التدخل في جدول اعماله وتمييعه لصالح حليفها من خلال إعطاء الأولوية لمحاربة الارهاب على حساب عملية الانتقال السياسي التي تطالب المعارضة باعطائها الأولوية ، وهي العملية التي تريد روسيا إخراجها بالطريقة التي تناسب النظام السوري ، والالتفاف عليها عبر طرحها لمبادرتي استانا وسوتشي . حيث انطوت المبادرة الأولى على بعد عسكري من خلال تثبيت وقف اطلاق النار وفرض مناطق خفض التوتر تمهيدا للحل السياسي ، في حين انطوت المبادرة الثانية على رؤيتها السياسية التي تستهدف وضع ترتيبات التسوية السياسية بطريقتها بحيث تنصب جهودها على إعطاء الأولوية بعد هزيمة التنظيمات الارهابية على صياغة الدستور ومن ثم الانتخابات ، دون التطرق لعملية الانتقال السياسي التي تحاول القفز عليها ، وهو ما ترفضه قوى المعارضة واطراف غربية ، التي تتمسك ببيان جنيف 1 وقرار مجلس الامن 2254 وبما يضمن إقامة هيئة حكم انتقالية . في الوقت الذي تعتبر فيه مؤتمر سوتشي بمثابة محاولة روسية التفافية على الجهود الدولية للانفراد بالحل السياسي خارج اطار هذه الجهود . إضافة الى اعتبارها المؤتمر بمثابة الفرصة التي تسعى روسيا لاستغلالها لاعادة تأهيل النظام السوري وانتاجه في مقابل تغيير تركيبة المعارضة لاختراقها واضعافها والسيطرة عليها ، لتقوية اوراق النظام السوري في التفاوض على مستقبل سورية ، وبما يعزز من مصالحها ومناطق سيطرتها ونفوذها فيها . الا ان رفض المعارضة التي جرى إعادة ترتيب بيتها الداخلي في مؤتمر الرياض ـ 2 الى جانب دول إقليمية ودولية ، تفرد روسيا بملف التسوية السياسية في سورية ، اسهم في تأجيل مؤتمر سوتشي الى شهر شباط القادم