حسن أبو هنية
عندما وقع وزير الخارجية الأميركي جون كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف اتفاقا يهدف إلى إرساء هدنة في سورية كان واضحا أن الاتفاق ينطوي على هشاشة ظاهرة وقد ينهار في أي لحظة فالاتفاق الذي كان من المفترض أن يدخل حيز التطبيق اعتبارا من أول أيام عيد الأضحى في 12 ايلول 2016 يفتقر إلى الشفافية والوضوح ويأتي في سياق أمني عسكري تحت ذريعة الشأن الإنساني بعيدا عن المجال السياسي وموضوعات الحل النهائي.
اتفاق الهدنة الهش جاء استكمالا لتفاهمات بوتين أوباما التي جرت عقب التدخل الروسي في سورية نهاية ايلول 2015 وهو تدخل يقع في سياق سياسات حرب الإرهاب وكانت الولايات المتحدة وحلفاؤها يراهنون في البداية على ممارسة الروس لضغوطات على الأسد لإقناعه بالرحيل في نهاية المرحلة الانتقالية لكن روسيا التي تتوافر على تعريفات خاصة للإرهاب جادلت منذ البداية على أن قائمة الجماعات الإرهابية لا تقتصر على «داعش» و»النصرة» بل تتضمن قائمة طويلة من الفصائل المسلحة السورية وهي المسألة التي سوف تهدد اتفاق الهدنة مرة أخرى بحسب تصريحات بوتين الذي صرح بأن تحديد المنظمات الإرهابية تمثل جوهر الخلاف.
عقدة الخلاف الأمريكي الروسي ظهرت منذ البداية حول مسألة تصنيف الحركات والمنظمات والفصائل الإرهابية في سورية لكن ثمة اتفاقا بين الطرفين على تجنب الدخول في مواجهة عسكرية ومواصلة الجهود الديبلوماسية والضغط على أطراف النزاع والتدرج في حلول جزئية قبل الحديث عن حلول جذرية نهائية كما جاء في بيان فيينا في 14 تشرين ثاني2015 والتي أفضت إلى التوصّل لاتفاق هدنة دخل حيّز التنفيذ في 27 شباط 2016 والذي يستثني كلاً من تنظيمي «الدولة الإسلامية» و»جبهة النصرة» وجاء الاتفاق بين موسكو وواشنطن على أساس تثبيت وقف إطلاق النار وكافة الأعمال العدائية بالتزامن مع استئناف العملية السياسية في جنيف وفقاً لخارطة الطريق الذي نص عليه القرار 2254.
هشاشة اتفاق الهدنة بدت واضحة من خلال استحالة الفصل بين فصائل المعارضة الموصوفة بالاعتدال أو الإرهاب نظرا للتداخل بين الفصائل ميدانيا حيث لم تتوقف العمليات القتالية وتبادلت واشنطن وموسكو الاتهامات حول خرق الهدنة الأمر الذي حمل جون كيري ونظيره سيرغي لافروف في 14 ايلول 2016 إلى تمديدها 48 ساعة إضافية وقد برز الخلاف بين موسكو وواشنطن بصورة جلية عشية اجتماع مغلق لمجلس الأمن الدولي في 16 أيلول 2016 بشأن الأزمة السورية وتمثل في مسألة الاعتدال والتطرف حيث طالبت موسكو إبعاد تنظيمي «أحرار الشام» و»جيش الإسلام» من نظام الهدنة في سوريا وإدراجهما على قائمة الإرهاب الأممية وكان المندوب الروسي فيتالي تشوركين قد أعلن في 26 نيسان الماضي أن روسيا وجهت للجنة مكافحة الإرهاب بالأمم المتحدة، التي تقوم بمتابعة عمل العقوبات المفروضة على تنظيمي «داعش» و»القاعدة» طلبا بإدراج تنظيمي «أحرار الشام» و»جيش الإسلام» في قائمة العقوبات الأممية.
لا جدال بأن المقاربة الروسية للحل في سورية متطرفة وفجة وهي تقضي بالحفاظ على الأسد ووضع كافة الحركات والفصائل المسلحة في سورية على قوائم الإرهاب والاستهداف وفرض حل عسكري على قوى المعارضة لا معنى له سوى «الاستسلام» وهو الأمر الذي تدرك أمريكا خطورته ومآلاته التي قد تفضي بكافة الفصائل السنية إلى التحالف أو الانضمام إلى تنظيم «الدولة الإسلامية» أو «القاعدة» أو جبهة «فتح الشام» وسوف يؤدي على المدى المتوسط إلى خلق حالة سنية مهمشة قابلة للانفجار قد تجد نفسها في صفوف تنظيم «الدولة الإسلامية.
في سياق هشاشة الهدنة كمقدمة لفشل الحل السياسي تنامى شعور لدى فصائل المعارضة السورية السنية بالمرارة والألم وأخذت تبتعد عن الحلول الدولية المقترحة وتبحث عن توحيد فصائلها فقد تولدت قناعة لدى هذه الفصائل أن ثمة سعيا حثيثا للربط بين «الإرهاب» الكوني و»الإسلام» السني وخصوصا أن عشرات المليشيات الشيعية التي تقاتل إلى جانب نظام الأسد والمسندة من إيران والمدعومة من روسيا لا يجري التعامل معها كحركات إرهابية وقد بلغت حالة انعدام الثقة بين فصائل المعارضة السورية والولايات المتحدة حدا غير مسبوق عندما طردت فصائل من الجيش الحر مقاتلين أمريكيين من بلدة الراعي شمال حلب وسط هتافات التكبير والتهليل وصيحات «الموت لأمريكا.. تسقط أمريكا».
تفاقمت الخلافات الأمريكية الروسية بعد أن أقر التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة بتنفيذ هجوم في دير الزور شرق سوريا في 17 سبتمبر أسفر عن مقتل 62 عسكريا سوريا كانوا يخوضون قتالا ضد مسلحي تنظيم «الدولة الإسلامية» الأمر الذي وضع الاتفاق بين الطرفين في حالة حرجة إذ لم تقتنع روسيا بالرواية الأمريكية التي اعتبرته خطأ غبر مقصود واتهمتها بحماية الفصائل الإرهابية وفي مقدمتها «جبهة النصرة» وفي المقابل اتهمت أمريكا النظام السوري وروسيا بالمسؤولية عن ظهور وانتشار تنظيم «الدولة الإسلامية» وقد كشفت هذه التطورات عن أزمة الثقة بين أمريكا وروسيا ويبدو أن عدم قناعة روسيا برواية الخطأ الأمريكي تستند إلى الاعتقاد أن الولايات المتحدة تحاول أن تستعيد ثقة حلفائها في المنطقة وكسب ود فصائل المعاضة السورية المسلحة التي فقدت ثقتها بصداقة وصدق أمريكا.
خلاصة القول أن لا حل يلوح في الأفق السوري فالخلافات الدولية فضلا عن الإقليمية لا تزال عميقة وعلى صعيد الحركات والفصائل السنية السورية بدأ الإحباط واليأس من المجتمع الدولي يتنامى فعلى مدى أكثر من خمس سنوات لم تتمكن تلك الفصائل من إقناع القوى الدولية باعتدالها على الرغم من تأكيداتها المتواترة على قبول الديمقراطية والدولة المدنية والتشديد على تنوع المكونات الهوياتية الإيديولوجية والإثنية والدينية لسورية وعلى صون حقوق الأقليات والمكونات المختلفة في الوقت الذي تجد فيه الفصائل غير السنية دعما دوليا لأي تشكيل أو فصيل سياسي أوعسكري سوري يقوم على أسس هوياتية دينية مذهبية أو عرقية إثنية كما حدث مع الفصائل الكردية أو الشيعية.
عن الرأي